فالنفس البشرية ـ ولا سيما الضالة المعتدية غير المهتدية ـ لها كبرياءها وعنادها ، فهي لا تتنازل عما ترتئيه إلا برفق ، كيلا تشعر في صراعه بهزيمة ، فانها ـ بطبيعة الحال ـ تعتبر التنازل عن الرأي تنازلا عن هيبتها وحرمتها وكيانها ، والجدال بالتي هي احسن تطامن من هذه الكبرياء والحساسية المرهفة ، وتشعر المجادل أن حرمته مصونة ، وقيمته كريمة محترمة وأن الداعي لا يقصد إلا كشف الحقيقة التي هي أحق منهما.
ولأقل تقدير فالجدال بالتي هي احسن تطامن من طيش المدعو فتخمد نار دعوته الضالة ، ودلالة أمام المهتدين ، فيصد عن شره وضره ، وان لم ينصد هو عن ضلاله في نفسه.
فقد يحاور الداعية ضالا صامدا معاندا ، فيزيد في عناده وعدائه بما يستعمل من طرق سيئة في حواره ، تجهيلا له ، وسبا لما يقدسه ، وتهوينا لرأيه ، وفي ذلك إماتة للحق وإحياء للباطل ، وتحريض لأهله ان يكرسوا طاقاتهم وإمكانياتهم ضد الحق وأهله ، وهذه جدال بالتي هي أسوء.
وقد يحاوره دون حسن ولا سوء فهي جدال بالسوء ، حيث لا تنفع وقد تضر ، وهي لأقل تقدير تبقي الضال على ما كان ، وذلك لغو وباطل من القول.
وقد يحاوره بحسن ليس ليصده عن الدعاية الباطلة ، وانما تخفّف عن طيشه ولا تجفف ، فهي حسنة لا تكفي صدا عن ضره وشره.
فلتكن الجدال بالتي هي أحسن ، فان تحقيق الحق وإزهاق الباطل واجب حسب المستطاع إذا ف (جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).
وفي رجعة أخرى الى الآية ـ لنرى مدى الحسنة في الحكمة والموعظة ، والأحسن في الجدال ـ أحكام حكيمة في شرعة الدعوة والجدال ، مسرودة في آيات الدعوة والأمر والنهي والجدال.