فقد انطبق ذلك المثل الأمثل على حالهم ، وعاقبة المثل تحذرهم عن مآلهم ، مهما كانت البلدة غيرها كما قد يروى (١) حيث الأمثال تحذر كما هي تبشر ، وهذه طريقة قرآنية سامية في التحذير والتبشير.
وهنا يجسّم ذلك التعبير العبير الخوف والجوع فيجعلهما لباسا ، إذ يلبسانهم في أرواحهم وأبدانهم ، شمول الجوع لابدانهم ، وشمول الخوف لأرواحهم ، وذلك العذاب الشامل هنا مسّ وذوق وليس كلّ العذاب ، فيا ويلاه لكل العذاب يوم القيامة!
فهذه الاستعارة اللطيفة يخرج المثل مخرج الخبر عن العقاب النازل ، ام ما يحق نزوله ، حيث البلاء شامل شمول اللباس ، وهو بعد ذوق وليس أصل البلاء.
ومهما كانت حقيقة الذوق في المطاعم والمشارب ، لا في الكسيّ والملابس ، فذلك معروف في مذهب البلاغة ان يقال لمن عوقب على جريمة او أخذ بجريرة : ذق فعلك ، وأجن ثمرة جهلك ، وان كانت عقوبته ليست مما يحس بالطعم ويدرك بالذوق.
وكما الملابس تشتمل على الجلود ، كذلك ما يظهر منهم عن مضيض
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٩٠ القمي في الآية قال : نزلت في قوم كان لهم نهر يقال له البليان وكانت بلادهم خصبة كثيرة الخير وكانوا يستنجو بالعجين ويقولون هذا النبي فكفروا بأنعم الله واستخفوا بنعمة الله فحبس الله عليهم البليان فجدبوا حتى أحوجهم الله اليه ، كانوا يستنجون به حتى كانوا يتقاسمون عليه وفيه عن من سن البرقي عن أبي عبد الله (ع) قال : ان قوما وسع الله عليهم في أرزاقهم حتى طغوا فاستخشنوا الحجارة فعمدوا الى النقي وصنعوا منه كهيئة الأفهار فجعلوه في مذاهبهم فاخذهم الله بالسنين فعمدوا إلى أطعمتهم فجعلوها في الخزائن فبعث الله على ما في الخزائن ، أفسده حتى احتاجوا الى ما كان يستطيبون به في مذاهبهم فجعلوا يغسلونه ويأكلونه وفي تفسير العياشي عنه (ع) انهم قوم من بني إسرائيل.