الجوع واليم الخوف ، من سوء الأحوال وشحوب الألوان وضئولة الأجسام ، هي ايضا كاللباس الشامل لهم ، والظاهر عليهم.
وعلى أيّة حال فهذه القرية ليست هي مكة بعينها ، بل هي ما وصفها الله (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ) ولم تذق مكة جوعا ولا خوفا ، وانما يتهدد أهلوها بذلك المثل إن واصلت في كفرها بأنعم الله وتكذيبها رسولها أنها ستذوق ما ذاقت نظيرتها.
وانما (بِأَنْعُمِ اللهِ) جمع قلة دون «النعم» جمع كثرة ، وهم كانوا في نعم كثيرة فعندهم امن واطمئنان! ورزقهم رغد من كل مكان؟
علّ القلّة اشارة الى الجموع الثلاثة من النعم ، وكل واحدة منها في نفسها كثرة ، ام ولأنها بجنب نعمة الرسالة قلة فان متعة الحياة الدنيا قليلة مهما كثرت ، ولذلك لم يدخل نعمة الرسالة خلالها ، بل أفردها بالذكر وخص لتكذيبها العذاب وهم ظالمون.
ويا لها من نعمة جامعة تجمع القمة الروحية الى القمة المعيشية ، دون أية زعزعة إلّا كل أمنة وطمأنينة ، ورغدة الرزق من كل مكان ، فحقّ لها لباس الخوف بدل الأمن والطمأنينة ، ولباس الجوع بدل وفير الرزق والنعمة ، ولباس العذاب في الأخرى بدل الرحمة.
وهذه هي سنة الله في كل قرية وأمة يوم الدنيا قبل الآخرة : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٨ : ٥٣) فان (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) (١٣ : ١١) إذا :
(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) ١١٤.