ثم الجزاء بأحسن ما كانوا يعملون يلمح الى عفوة عن السيآت ، وزيادة في الدرجات ، فلا يجزى ـ إذا ـ بالسيئات ، ولا بالحسنات على قدرها ، وانما (بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وما أفضله وأطيبه جزاء!
بل وقد يبدل الله سيئاتهم حسنات كما يبدل حسناتهم بأحسنها فيجزيهم ـ إذا ـ بأحسن ما كانوا يعملون ، ومن ذلك رزقهم في الجنة بغير حساب :
(وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) (٤٠ : ٤٠). لا حساب لسيئاتهم فان قاعدة حياتهم هي العمل الصالح بإيمان ، ولا حساب لرزقهم بقدر صالحاتهم ، ف «إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل منك» (١).
وليست هذه الحياة الطيبة هي ـ فقط ـ روح الايمان ، فانها تتبنى الإيمان ويتبناها الإيمان ، بل هي كما تقول الآيات : نصرة الايمان ، وكتابته تثبيتا له في قلوب المؤمنين ، وإنارة زائدة لقلوبهم وبصائرهم ، وتثبيتا بالقول الثابت.
وعلى الجملة تصبح حياته الدنيا نموذجة صادقة عن الحياة الاخرى ، التي هي الحياة لا غيرها : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) (٨٩ : ٢٤) (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٤٢ : ٣٦).
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٨٣ عن معاني الاخبار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قيل له ان أبا الخطاب يذكر عنك انك قلت له : إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت قال : لعن الله أبا الخطاب والله ما قلت هكذا ولكني قلت له : إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل منك ان الله عز وجل يقول : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) ويقول تبارك وتعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً).