الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٢٩ : ٦٤) وكما يترجاها من لم يقدم لها من أولاها (يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) (٨٩ : ٢٤).
وهذه الحياة الطيبة هي التي يتطلبها عباد الله الصالحون ليل نهار : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (٢ : ٢٠١) يعنون حياة حسنة ، ودنياها هي التي تحضّر لآخراها.
وانما يتقدم صالح العمل هنا على صالح الايمان تاشيرا عشيرا للمؤمنين ان العمل هو الغاية القصوى من الايمان ، كما العلم ذريعة العمل ، فالعلم والايمان هما ذريعتان اثنتان لصالح العمل.
ثم نرى الايمان يتقدم على عمل الصالحات في سائر القرآن ، حيث الايمان هو عمل القلب ، وهو متقدم على عمل القالب ، وهو ام لاعمال الجوارح ، وهي تستخدم لمزيد اليقين : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) كما اليقين مستخدم للعبودية (ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
إذا فالإيمان وعمل الصالحات جناحان اثنان للطائر القدسي الانساني الى بغيته من خلقه ، كل يؤيد الآخر ويزيده رقيا وكمالا ، وقاعدة العمل الصالح التي يرتكز عليها هي قاعدة الايمان (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) فالعقيدة الصالحة هي المحور الذي تشد اليه الخطوط بأسرها عن أسرها ، وإلا فهي أنكاث ، ثم لا يهم الحياة الطيبة على ضوءهما ان تكون ناعمة بنعمة المال والمنال ، فالاتصال بالله ، والاطمئنان الى رعايته وستره ورضاه ـ وفيها طمأنة القلب ـ ذلك يكفي تطييبا للحياة مهما اعترضتها حرمانات مادية واصطدامات في هذه السبيل المليئة بالاشلاء والدماء.
وهذه الحياة الطيبة اضافة الى انها لا تنقص من احسن الأجر في الاخرى ، تزيده حسنا على حسن لأنها ذريعتها وطريقتها المثلى.