آية وحيدة في صيغة التعبير ، فيها تنديد مديد من لدن لطيف خبير ، بهؤلاء الحماقي الأنكاد ، ورؤوس النكران والعناد ، من مشركين بالله ام ملحدين في الله انهم : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها ..) وترى كيف تجتمع المعرفة والنكران وهما متقابلان متضادان؟ ولكن «ثم» تراخي بينهما ، فالبداية هي معرفة نعمة الله ، كما هي قضية الحال فطريا وعقليا وحسيا ، ثم يتعامون عنها ويتجاهلون قضية الحرية في الشهوات والحيونات ، خروجا عن أسر الشكر والشكر بالأسر ، (ثُمَّ يُنْكِرُونَها) عمليا كفرانا في الأعمال ، أم وقوليا نكرانا في الأقوال ، ومن ثم عقيديا وهم عارفون (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (٢٧ : ١٤) وهم الذين (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ)(١٣) ثالوث النكران في دركاته الثلاث بعد العرفان.
فقد يجتمع العرفان والنكران لاختلاف المسارح ، ففي مسرح البرهان عرفان ، وفي مسرح العمل او الايمان نكران ، حيث المعرفة درجات كما العمل والايمان درجات ، ام وعرفان الايمان بعد البرهان ، ولكن لمّا يأت دور العمل فنكران عمليا ، مهما تقوّل بالايمان ، فانه خاو عن فاعليته ، فارغ عن قابليته.
فهؤلاء هم كلهم كافرون كفرا او كفرانا ولكن (أَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ) كفرا في عمقه وبكل حمقه.
فالنص «الكافرون» دون «كافرون» لتكون الاكثرية هي الكفر المعلوم اشراكا وإلحادا ، وكأنهم كل الكافرين ، لمحة من لام التعريف على الجمع مهما كانت موصولة هنا.
وأقلهم كافرون دون ذلك كفرانا ككافة العصاة ، ام بعض الكفر كالاكثرية الساحقة من اهل الكتاب غير المسلمين ، حيث هم موحدون مهما