ولئن رجعوا قائلين ان هذه الميزات من حصائل المساعي على قدر سعي الساعي ، ولكنما الوحي ليس يحصل بالسعي ، فالجواب (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ).
فكما بالإمكان الواقع تفاضل البشر ـ على مماثلتهم ـ في بعض الفواضل والفضائل بما يعملون (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) كذلك الإمكان في التفاضل بما قد يأملون على ضوء ما يعملون ، قضية الضرورة القاطعة من هدى الله ، دون فوضى جزاف فيمن يهدي به الله وحيا (وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) ام ودون عمل كما في الجمال وأمثاله.
فهل من صاد يصد عن رحمة الله ومنّه على من يشاء من عباده ليشملهم كلهم برحمته؟ وكل الرحمات هي من الله لا سواه (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٤٣ : ٣٢).
فإذ يمن الله على بعض في بعض النعم بما سعى ، فمنه على بعض ومنّه على العالمين اولى وأحرى ، منة ضخمة لا على اشخاص الرسل وحدهم ، ولكن على البشرية التي تشرف بانتخاب افراد منها لهذه المهنة العظمى ، تلقيا بالقلب من الملاء الأعلى ، وإلقاء على سائر المكلفين بكل سلطان مبين ، رسالة واحدة هي ضرورية لهدى الحائرين الضالين ، فسلبها كليا سلب لرحمة كتبها الله على نفسه ، وإيجابها لكل احد هدر للوحي حين يلقى الى قلوب مقلوبة ، وتسوية ظالمة بينها وبين قلوب طاهرة ، وتسيير لغير الصالحين الى صلاح الوحي وصالحه ، وسلب للامتحان ، فليختص بمن صنع نفسه مؤمنا كأعلى القمم الممكنة ، ثم يصنعه الله كما هيأه من ذي قبل ، صناعة مثلثة الزوايا ، والأخيرة منها هي رأسها حيث يسده الله تعالى عن كل خطأ ، ولكنها ليست فوضى جزاف ، وانما بما سعى وقدر ما سعى ، وان كان الله يساعده في المبدء والمنتهى ، فالمأثوم عمدا وسواه لا