فكلما كانت الهجرة في الله أصعب ، والدعوة فيها الى الله أتم واتعب ، كانت الهجرة أفضل وأوعب ، والآية تبين موقف المهاجرة الفضلى الشاملة للرسول والذين معه وهي ذات درجات حسب الدرجات ، مهاجرة الى الحبشة (١) ثم الى المدينة المنورة (٢) وفي الكل مهاجرة من الشهوات والإنيات والأنانيات الى الله وفي الله ، مهما كان فيها تنقّل مكاني ام لم يكن حيث ان حجر الأساس فيها التباعد عما سوى الله الى الله وفي الله ، مهما اختلفت الظروف والاشكال ، فالمهاجرة في الله لا تحدّ بحدود المكان والزمان وانما هي المكانة والايمان يهاجر للحافظ عليه والمزيد فيه. ف «ان المهاجر من هجر ما نهى الله عنه ، هجر السوء والخطايا والذنوب» (٣) ولقد «كان من الأنصار مهاجرون لان المدنية كانت دار شرك» (٤) «كانوا من المهاجرين لأنهم هجروا المشركين» (٥).
فالمسلم المصابر على ايمانه ، المتثابر في الله ، انه من المهاجرين أينما حل او ارتحل ام سكن واستكن ، وجملة القول في المهاجرة ككل انها تنقسم حسب الأحكام التكليفية ، خمس بخمسة فصالحاتها درجات كما طالحاتها دركات.
ثم المهاجرة في الله هي تجسّد كلمة التوحيد بسلبها : «لا اله» في
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ١١٨ ـ اخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هم اصحاب محمد ظلمهم اهل مكة فاخرجوهم من ديارهم حتى لحق طوائف منهم بأرض الحبشة ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة وجعل لهم أنصارا من المؤمنين ..
(٢) المصدر اخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : انهم قوم من اهل مكة هاجروا الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ظلمهم وظلمهم المشركون.
(٣) صحيح البخاري باب الايمان ٤.
(٤) سنن النسائي البيعة ١٣.
(٥) سنن النسائي البيعة ١٣.