الهجرة إلى المدينة ، فالآية إذا مدنية في سورة مكية ، ولكنها قد تعني الهجرة إلى الحبشة ، السابقة على هذه الآية في مكة ، ثم المهاجرة هي حجر الأساس في حكم الآية ، سواء أكانت سابقة ام لاحقة ، إذا فهي تشمل بتجريدها عن مضيها كل مهاجرة في الله من بعد ما ظلموا ، من مكة الى الحبشة ، ومن المدينة الى مكة حيث كان من الأنصار مهاجرون لان المدينة كانت دار شرك ، ثم من مكة الى المدينة ، ومن ثم كل انتقالة في الله من مكان الى مكان أيا كان وأيان ما طلعت الشمس وغربت.
فقد يهاجر ـ للحفاظ على ايمانه أم نشر الايمان ـ عن وطن أم مال وأهلين ، وأخرى عن حياة عن بكرتها حيث تكون حياة الإيمان في خطر السقوط ، فإذا دار الأمر بين حياتي انا وحياة الايمان فالإيمان أحرى بالبقاء.
وفي الخبر «لا يدخل الجنة إلا من هاجر» حيث تعم صيغة المهاجر كلّ اهل الجنة ، وغير المهاجر في النار ، فليس ـ فقط ـ مهاجرة خاصة من مكان إلى آخر ، بل هجران المعاصي والتباعد عن المآسي ، وتحقيقا لكلمة الحق (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ).
«لا اله» تقتضي المهاجرة عن ابعاد ثلاثة من المحرمات وهي النفسية والجماعية والمعيشية تحت السلطة الطاغوتية ، كما «إلا الله» تثبيت لثلاثة أخرى هي النفسية والجماعية وتثبيت السلطة الربانية ، فالمؤمن مهاجر على أية حال ما دام هنالك فسق او كفر فردي ام جماهيري ام في الحكم حيث المسؤولية لنفي الباطل وتحقيق الحق تشكّل الحياة الإيمانية.
ثم المهاجرة هي التباعد فقد تكون مهاجرة في الله كما هنا ، ام مهاجرة في الشيطان ، ثم الأولى قد تكون من بعد ما ظلموا كما هنا وهي أفضلها ، وأخرى من بعد ما ظلموا بمقامهم في دار المجرمين ثم تابوا وهاجروا وهي أوسطها ، وثالثة لم يظلموا ولم يظلموا وانما يهاجرون لبسط الدعوة الإلهية فكالأولى ، أم تزيدها فضلا حيث تكون الدعوة أفضل وأشمل دون اختصاص بالحفاظ على إيمان المهاجر.