إذا فلا رد على ذلك الحلف برهانيا إذ لا يملك برهانا يرد بمثله ، اللهم إلّا «بلى» جوابا عن «لا» ولكن الله يبرهن هنا بعد «بلى» بأجمل بيان وأكمله : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) : وعدا منه تعالى : (أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) (٤ : ١٢٢).
ولقد أصبحت حتمية يوم البعث لحدّ تسمى في آيات عدة بالوعد ويوم الوعد والى ان سماه الناكرون له بالوعد (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٤ : ٢٩)(١) وليس (وَعْداً عَلَيْهِ) ـ فقط ـ بما أخبرنا بألسنة رسله حتى تنكر ب (لَوْ شاءَ اللهُ ..) بل وسائر الآيات الإلهية آفاقية وانفسية تؤكد أنه (وَعْداً عَلَيْهِ).
فالفطرة العاشقة لاستمرارية الحياة بعد الموت ـ دونما فتور في هيمانها لها مع العلم بواقع الموت ، ولا فترة لها فيما تعشقه رغم ما يرى من عامة الموت ، وحتى إذا قرب صاحبها الى الموت ، واحتمال أن المعشوق لا يعدو الخيال ، فضلا عن حتمية الخيال ـ مما يهدم صرح العشق ، ولكنما الفطرة تعشق الحياة المستمرة واقعيا ، ويزداد له تعشقا كلما يكبر صاحبها والى قرب الموت ، وذلك دليل قاطع لا مرد له على حتمية الحياة بعد الموت فطريا.
ثم العقل الحاكم ان السماوات والأرض لم تخلقا عبثا ولا الإنسان عبث في ذلك الكون الشاسع ، وقضية عدل الله العليم القدير الرؤف الرحيم أن الإنصاف للمظلومين من الظالمين ضرورة قاطعة قاصعة.
كل ذلك يؤكد (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) ثابتا لا حول عنه «حقا» لا يبطل ولا
__________________
(١) وكذلك في ١٠ : ٤٨ و ٢١ : ٣٨ و ٢٧ : ٧١ و ٦٧ : ٢٥ و ٣٦ : ٤٨ و ٦٧.