انهم «ظالمي غيرهم» لا يصلهم من ذلك شيء.
(فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) الذي ما كانوا يلقونه يوم الدنيا بل كانوا يلغونه ، ولكنهم ساعة الاحتضار يستسلمون ولا يفيدهم بعد انقضاء التكليف ، إذ لا حول لهم ولا قوة ولا حيلة الا أن يلقوا السلم ، فإلقاء السلم هنا بعد إلغاءه هناك هو طلب المسامحة عن ذل واستكانة ، والتماس شفاعة ، ام هو الاستسلام لحكم الله ، فهم كمن طرح آلة المقارعة ، ونزع شلة المحاربة ، فهي إذا نظيرة (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) اي لا تستسلموا لها.
وعلى اية حال (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) ماكرين منافقين حيث مقالهم تبرئة لهم (ما كُنَّا نَعْمَلُ (١) مِنْ سُوءٍ)!
وهم في ذلك الكذب الماكر يدّعون العصمة في اعمالهم ، فان «من سوء» المدعى نفيه يستغرق كل سوء قصورا او تقصيرا ، ويا له من كذب كاذب!.
وكيف يسمح لهم بغير الصواب. (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) (٧٨ : ٣٨) (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٧٧ : ٣٦)؟.
ان ذلك مخصوص ببعض المواقف يوم القيامة ، وهذا حين الاحتضار ، وهم بين نشأتي الحياة الدنيا والبرزخية ، وهم من شدة خوفهم يلقون ذلك السلم الماكر ، زعما منهم متعودا ان يفيدهم ، والله يأذن لهم لكي يفضحهم فإذا هم مفضوحون بتكذيب صارح صارخ: (بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)!
فكما ان عدم الأذن في كلام ـ فضلا عن الكذب هناك ـ ليس إلا هتكا وعذابا ، كذلك الاذن فيه أحيانا هتك وعذاب قضية الجواب كلاما وغير كلام ، وعلى أية حال ليس ليفيدهم هناك صدق ولا كذب ، فلن ينفعوا أنفسهم على اية حال كما لن يضروا الله شيئا بحال.