ثم ومن الذين «من قبلهم» أول جبار في الأرض : نمرود وقد أتى الله صرحه من قواعده ، كما بعث عليه بعوضة في منخره فمكث اربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق وارحم الناس به من جمع يديه فضرب بهما رأسه (١).
فأي بنيان مرصوص أمام ما أتى الله مرضوض ، مشهد كامل شامل لكل بوار ودمار لمن يمكر الله والله خير الماكرين ، الذين يقفون لدعوة الله ، ويمكرون بشرعة الله ، ويحسبون مكرهم لا يرد (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) وابتلائهم بداء الجهل العضال من العذاب ، ثم هم في عذاب فوق العذاب (مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) جزاء بما كانوا يعملون.
وإنه لمشهد مكرور على مدار الزمن ومرّ التاريخ ، ودعوة الله بشرعته ماضية ماشية رغم كافة العراقيل ، حيث يأتي الله بنيانهم من القواعد ، ويأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون.
هذا بالنسبة ليوم الدنيا وقد تشمل البرزخ حيث يستمر عذابهم القاضي عليهم هنا طول حياتهم البرزخية :
(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) ٢٧.
هناك يخزيهم أخزى من البرزخ والدنيا ، مشهد من مشاهد خزيهم يوم القيامة بسؤال التأنيب التبكيت (أَيْنَ شُرَكائِيَ) الذين زعمتم انهم شركاء و «كنتم» حتى الموت (تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) دعاة التوحيد بشقاق متعنّت عارم ،
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ١١٧ ـ اخرج عبد الرزاق وابن جرير عن زيد بن اسلم قال : اوّل جبار كان في الأرض نمرود فبعث الله عليه بعوضة ... وكان جبارا اربعمائة سنة فعذبه الله اربعمائة سنة كملكه ثم أماته الله وهو الذي كان بنى صرحا الى السماء الذي قال الله : فأتى الله بنيانهم من القواعد.