هنا وفي قيام الساعة هو لزام خلق السماوات والأرض بالحق ، فكما انه لولا الساعة لكان الخلق لعبا باطلا ، كذلك لولا عذاب الاستئصال في قارعة الأحوال والأهوال لكان باطلا لعبا.
فلأن الساعة آتية فاصفح الصفح الجميل ، جميلا في المواجهة وهو «العفو من غير عتاب» (١) فقد يعفو بعتاب وليس صفحا ، لذلك (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (٢ : ١٠٩) وقد يصفح ولا يغفر (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٦٤ : ١٤).
فالصفح وسط بين الأمرين ، إذ لا يغفر عن مشركي مكة حينذاك وهم ظالمون ، وانما يصفح عنهم جملا بعفو مؤقّت من غير عتاب ، وجميلا في الحفاظ على الأهم تقية ، حيث السورة مكية ولا سبيل هناك لأي انتقام مهما كان صالحا لزاما ، فالجميل في التقية قبيح في غيرها ، كما الصفح تقية في مكة هو قبيح في المدينة إذ لا تقية.
ولماذا «فاصفح ..» ل (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) فقد رباك لحمل هذه الرسالة السامية الاخيرة وهو الخلاق العليم ، يعلم ماذا خلق ، ولماذا خلق ، وكيف يحافظ على خلقه ، فمما يحافظ على كيانك الرسالي في مكة (الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) ثم في المدينة وقد قويت شوكة الإسلام ، فللجميل جمال آخر منه حرب الأعداء الذين لا ينتهون.
ولعل «الصفح» هنا دون «صفحا» للتدليل على ان الصفح في العهد المكي لزام على أية حال ، فلا يكفي «صفحا» في بعض الأحوال ، فالفترة
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٢٧ عن عيون اخبار الرضا (عليه السلام) حديث طويل وفيه قال في الآية : العفو من غير عتاب وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه وابن النجار عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الآية قال : الرضا بغير عتاب.