السلام) لواقع خلق الإنسان وإسجاد الملائكة وإباء إبليس : ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها تربة سنّها بالماء حتى خلصت ، ولاطها بالبلّة حتى لزبت ، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول وأعضاء وفصول ، أجمدها حتى استمسكت ، وأصلدها حتى صلصلت ، لوقت معدود واجل معلوم ، ثم نفخ فيها من روحه فمثّلت إنسانا ذا أذهان يجيلها ، وفكر يتصرف بها ، وجوارح يختدمها ، وأدوات يقلّبها ، ومعرفة يفرق بها بين الأذواق والمشام ، والألوان والأجناس ، معجونا بطينة الألوان المختلفة والأشباه المؤتلفة ، والأضداد المتعادية ، والأخلاط المتباينة ، من الحر والبرد ، والبلّة والجمود ، والمساءة والسرور ، واستأدى الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم ، ووصيته إليهم في الإذعان بالسجود له ، والخنوع لكرامته ، فقال تعالى : اسجدوا لآدم ، فسجدوا إلا إبليس وقبيله اعترتهم الحمية ، وغلبت عليهم الشقوة ، وتعززوا بخلقة النار ، واستوهنوا خلق الصلصال ، فأعطاه النظرة استحقاقا للسّخطة ، واستتماما للبلية ، وإنجازا للعدة فقال : (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)(١).
ثم (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) هي ـ كما فصلناها في البقرة (٣٤) وسواها ـ سجدة العبودية والشكر لله ، لآدم النعمة المشكور له ، خنوعا لكرامته ، وتصديقا عمليا لفضيلته ، بعد ما بهروا في السؤال ، ام عرفوا المسؤول عنه انه من صلصال ، لا سجدة عليه كتربة ، ولا اليه كقبلة ، ولا له كعبادة او احترام وانما هو مادة الشكر له ، سجدوا لله ، حيث اللام بين محتملات : الانتفاع والاختصاص والملكية ، مهما كانت ـ كما هنا ـ للتعدية ، فالسجود له قد يعني الاختصاص والملكية ، فليسا ـ إذا ـ إلا لله شكرا واحتراما وعبودية ، او يعني الانتفاع ولا يكون ـ إذا ـ لله إذ لا ينتفع من السجود.
__________________
(١) نهج البلاغة في الخطبة القاصعة عن الامام امير المؤمنين (عليه السلام).