عقولهم فضلا عن قلوبهم ، ولو انه سلك في قلوبهم لكانوا ـ إذا ـ مؤمنين تسييرا من رب العالمين (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (٣٢ : ١٣) فكيف يسلكه في قلوب المجرمين ، اللهم إلّا سلكا في قلوب المؤمنين (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (٤٧ : ١٧) ازالة لسائر الحواجز آفاقية وانفسية عن ركيزة الايمان بعد الايمان ، ثم (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) ليس لها مشار إليه إلّا (إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ف «كذلك» الذي نسلكه في شيع الأولين «نسلكه» نحن (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) ختما على قلوبهم بما أجرمت واختتمت عن تقبل الحق ، ام هو الاستهزاء بالرسل الذي أصبح سنة في شيع الأولين ف «كذلك» الذي كان سالكا فيهم (نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) في شيع الآخرين والى يوم الذين سنة سارية في المستهزئين.
وترى كيف يسلكه في قلوبهم وهو من فعلهم؟ ام يسيّرهم عليه وهو ظلم بهم؟ إنه سلك من الله بعد انسلاكه فيهم بسوء اختيارهم ، ثم الله ليس ليهديهم بعد عتوّهم القاصد المعاند ، بل يذرهم في طغيانهم يعمهون ، (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (٦١ : ٥) سلكا إلهيا بعد سلك بشري جزاء وفاقا ، فلأنهم كانوا مجرمين لذلك سلكنا الاجرام في قلوبهم (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ) (٢ : ٢٦).
فالمجرمون ـ ككل ـ الذين يعيشون حياة الإجرام ، قطعا لثمرات الحياة الإنسانية ، فطرية وعقلية أمّاهيه؟ هؤلاء هم الذين يسلك في قلوبهم المقلوبة الاستهزاء بالرسل ، فانها خاوية عن نور الهدى بما افتعلوه ، خالية عن بغية الحق ، مليئة من ظلمات الهوى ، فهي لا تحمل ـ إذا ـ إلا ما يناسبها من مناحرة أهل الحق ، والاستهزاء برسل الحق ف (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) على مدار الزمن (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) في مثلث الزمان!.
ومن مخلفات ذلك السلك في بعدية البعيدين :