وكتب في المصاحف (إِلَّا) من قوله : (إِلَّا تَنْفِرُوا) بهمزة بعدها لام ألف على كيفية النطق بها مدغمة ، والقياس أن يكتب (إن لا) بنون بعد الهمزة ثم لام ألف.
والضمير المستتر في (يُعَذِّبْكُمْ) عائد إلى الله لتقدّمه في قوله : (فِي سَبِيلِ اللهِ) [التوبة : ٣٨]. وتنكير (قَوْماً) للنوعية إذ لا تعيّن لهؤلاء القوم ضرورة أنّه معلّق على شرط عدم النفير وهم قد نفروا لمّا استنفروا إلّا عددا غير كثير وهم المخلّفون.
و (يَسْتَبْدِلْ) يبدل ، فالسين والتاء للتأكيد والبدل هو المأخوذ عوضا كقوله : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) [البقرة : ١٠٨] أي ويستبدل بكم غيركم.
والضمير في (تَضُرُّوهُ) عائد إلى ما عاد إليه ضمير (يُعَذِّبْكُمْ) والواو للحال : أي يعذّبكم ويستبدل قوما غيركم في حال أن لا تضرّوا الله شيئا بقعودكم ، أي يصبكم الضرّ ولا يصب الذي استنفركم في سبيله ضرّ ، فصار الكلام في قوة الحصر ، كأنّه قيل : إلّا تنفروا لا تضرّوا إلّا أنفسكم.
وجملة (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تذييل للكلام لأنّه يحقّق مضمون لحاق الضرّ بهم لأنّه قدير عليهم في جملة كلّ شيء ، وعدم لحاق الضرّ به لأنّه قدير على كلّ شيء فدخلت الأشياء التي من شأنها الضرّ.
(إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠))
(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا).
استئناف بياني لقوله : (وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة : ٣٩] لأنّ نفي أن يكون قعودهم عن النفير مضرّا بالله ورسوله ، يثير في نفس السامع سؤالا عن حصول النصر بدون نصير ، فبيّن بأنّ الله ينصره كما نصره حين كان ثاني اثنين لا جيش معه ، فالذي نصره حين كان ثاني اثنين قدير على نصره وهو في جيش عظيم ، فتبيّن أنّ تقدير قعودهم عن النفير لا يضرّ الله شيئا.