تنفيذ المؤاخذة في الغير. ولذلك عدّي بحرف (على) المفيد لمعنى الاستعلاء ، وهو استعلاء مجازي بمعنى التمكن من التصرف في مدخول (على). فكان هذا التركيب استعارة مكنية رمز إليها بما هو من ملائمات المشبه به وهو حرف (على). وفيه استعارة تبعية.
والتعريف باللام في قوله : (إِنَّمَا السَّبِيلُ) تعريف العهد ، والمعهود هو السبيل المنفي في قوله تعالى : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) [التوبة : ٩١] على قاعدة النكرة إذا أعيدت معرفة ، أي إنما السبيل المنفي عن المحسنين مثبت للذين يستأذنونك وهم أغنياء. ونظير هذا قوله تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في سورة الشورى [٤٢]. فدل ذلك على أن المراد بالسبيل العذاب.
والمعنى ليست التبعة والمؤاخذة إلا على الذين يستأذنونك وهم أغنياء ، الذين أرادوا أن يتخلفوا عن غزوة تبوك ولا عذر لهم يخولهم التخلف. وقد سبقت آية (فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) من سورة النساء [٩٠] ، وأحيل هنالك تفسيرها على ما ذكرناه في هذه الآية.
وجملة : (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) مستأنفة لجواب سؤال ينشأ عن علة استيذانهم في التخلف وهم أغنياء ، أي بعثهم على ذلك رضاهم بأن يكونوا مع الخوالف من النساء. وقد تقدم القول في نظيره آنفا.
وأسند الطبع على قلوبهم إلى الله في هذه الآية بخلاف ما في الآية السابقة (وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) [التوبة : ٨٧] لعله للإشارة إلى أنه طبع غير الطبع الذي جبلوا عليه بل هو طبع على طبع أنشأه الله في قلوبهم لغضبه عليهم فحرمهم النجاة من الطبع الأصلي وزادهم عماية ، ولأجل هذا المعنى فرع عليه (فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لنفي أصل العلم عنهم ، أي يكادون أن يساووا العجماوات.
(يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤))
استئناف ابتدائي لأن هذا الاعتذار ليس قاصرا على الذين يستأذنون في التخلف فإن الإذن لهم يغنيهم عن التبرؤ بالحلف الكاذب ، فضمير (يَعْتَذِرُونَ) عائد إلى أقرب معاد