بالمثناة الفوقية على أن الخطاب للمسلمين ، فيكون من تنزيل الرائي منزلة غيره حتى ينكر عليه عدم رؤيته ما لا يخفى.
و (ثُمَ) للترتيب الرتبي لأن المعطوف بها هو زائد ـ في رتبة التعجيب من شأنه ـ على المعطوف عليه ، فإن حصول الفتنة في ذاته عجيب ، وعدم اهتدائهم للتدارك بالتوبة والتذكر أعجب. ولو كانت (ثم) للتراخي الحقيقي لكان محل التعجيب من حالهم هو تأخر توبتهم وتذكرهم.
وأتي بجملة (وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) مبتدأة باسم أسند إليه فعل ولم يقل : ولا يذكرون ، قصدا لإفادة التقوي ، أي انتفاء تذكرهم محقق.
(وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧))
عطف على جملة : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) [التوبة : ١٢٤] والظاهر أن المقصود عطف جملة : (نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) على جملة: (فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) [التوبة : ١٢٤]. وإنما أعيدت جملة الشرط لبعد ما بين الجملة المعطوفة وجملة الجزاء ، أو للإشارة إلى اختلاف الوقت بالنسبة للنزول الذي يقولون عنده (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) [التوبة : ١٢٤] وبالنسبة للسورة التي عند نزولها ينظر بعضهم إلى بعض ، أو لاختلاف السورتين بأن المراد هنا سورة فيها شيء خاص بهم.
وموجب زيادة (ما) بعد (إذا) في الآيتين متحد لاتحاد مقتضيه.
ونظر بعضهم إلى بعض عند نزول السورة يدل على أنهم كانوا حينئذ في مجلس النبيصلىاللهعليهوسلم لأن نظر بعضهم إلى بعض تعلقت به أداة الظرفية ، وهي (إذا). فتعين أن يكون نظر بعضهم إلى بعض حاصلا وقت نزول السورة. ويدل لذلك أيضا قوله : (ثُمَّ انْصَرَفُوا) أي عن ذلك المجلس. ويدل أيضا على أن السورة مشتملة على كشف أسرارهم وفضح مكرهم لأن نظر بعضهم إلى بعض هو نظر تعجب واستفهام. وقد قال تعالى في الآية السابقة : (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ) [التوبة : ٦٤]. ويدل أيضا على أنهم كاتمون تعجّبهم من ظهور أحوالهم خشية الاعتراف بما نسب إليهم ولذلك اجتزوا بالتناظر دون الكلام. فالنظر هنا نظر دال على ما في ضمير الناظر من التعجب والاستفهام.