أمر الله في شأنهم لأن التأخير مشعر بانتظار شيء.
وجملة : (إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) بيان لجملة : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ) باعتبار متعلق خبرها وهو (لِأَمْرِ اللهِ) ، أي أمر الله الذي هو إما تعذيبهم ، وإما توبته عليهم. ويفهم من قوله (يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أنهم تابوا.
والتعذيب مفيد عدم قبول توبتهم حينئذ لأن التعذيب لا يكون إلا عن ذنب كبير. وذنبهم هو التخلف عن النفير العام ، كما تقدم عند قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) [التوبة : ٣٨] الآية. وقبول التوبة عما مضى فضل من الله.
و (إِمَّا) حرف يدل على أحد شيئين أو أشياء. ومعناها قريب من معنى (أو) التي للتخيير ، إلا أن (إما) تدخل على كلا الاسمين المخير بين مدلوليهما وتحتاج إلى أن تتلى بالواو ، و (أو) لا تدخل إلا على ثاني الاسمين. وكان التساوي بين الأمرين مع (إما) أظهر منه مع (أو) لأن (أو) تشعر بأن الاسم المعطوف عليه مقصود ابتداء. وتقدم الكلام عليها عند قوله تعالى : (قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ) في سورة الأعراف [١١٥].
و (يُعَذِّبُهُمْ) ـ و (يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) فعلان في معنى المصدر حذفت (أن) المصدرية منهما فارتفعا كارتفاع قولهم : «تسمع بالمعيدي خير من أن تراه» لأن موقع ما بعد (إما) للاسم نحو (إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ) [مريم : ٧٥] و (إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً) [الكهف : ٨٦].
وجملة : (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) تذييل مناسب لإبهام أمرهم على الناس ، أي والله عليم بما يليق بهم من الأمرين ، محكم تقديره حين تتعلق به إرادته.
[١٠٧ ، ١٠٨] (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨))
هذا كلام على فريق آخر من المؤاخذين بأعمال عملوها غضب الله عليهم من