عندهم على الآية ، ونحاة الكوفة يجوّزونه ولو لم تطل الصلة ، كما في الآية ، وقد ادّعى الفرّاء: أنّ الذي يكون موصولا حرفيا مؤوّلا بالمصدر ، واستشهد له بهذه الآية ، وهو ضعيف.
ولمّا وصفت حالة المشبه بهم من الأمم البائدة أعقب ذلك بالإشارة إليهم للتنبيه على أنّهم بسبب ذلك كانوا جديرين بما سيخبر به عنهم ، فقال تعالى : (أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) وفيه تعريض بأنّ الذين شابهوهم في أحوالهم أحرياء بأن يحلّ بهم ما حلّ بأولئك ، وفي هذا التعريض من التهديد والنذارة معنى عظيم.
والخوض : تقدّمت الحوالة على معرفته آنفا.
والحبط : الزوال والبطلان ، وتقدّم في قوله تعالى : (فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) في سورة البقرة [٢١٧].
والمراد بأعمالهم : ما كانوا يعملونه ويكدحون فيه : من معالجة الأموال والعيال والانكباب عليهما ، ومعنى حبطها في الدنيا استئصالها وإتلافها بحلول مختلف العذاب بأولئك الأمم ، وفي الآخرة بعدم تعويضها لهم ، كقوله تعالى : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) [مريم : ٨٠] ـ أي في الدنيا ـ (وَيَأْتِينا فَرْداً) [مريم : ٨٠] ـ أي في الآخرة ـ لا مال له ولا ولد ، كقوله : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) [الحاقة : ٢٨ ، ٢٩].
وفي هذا كلّه تذكرة للنبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بأن لا يظنّوا أن الله لمّا أمهل المنافقين قد عفا عنهم.
ولمّا كانت خسارتهم جسيمة جعل غيرهم من الخاسرين كلا خاسرين فحصرت الخسارة في هؤلاء بقوله : (وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) قصرا مقصودا به المبالغة.
وإعادة اسم الإشارة للاهتمام بتمييز المتحدّث عنهم لزيادة تقرير أحوالهم في ذهن السامع.
(أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠))
عاد الكلام على المنافقين : فضمير (أَلَمْ يَأْتِهِمْ) و (مِنْ قَبْلِهِمْ) عائدان إلى