(وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠))
عطف على جملة (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) [التوبة : ٢٩] والتقدير : ويقول اليهود منهم عزيز ابن الله ، ويقول النصارى منهم : المسيح ابن الله ، تشنيعا على قائليهما من أهل الكتاب بأنّهم بلغوا في الكفر غايته حتّى ساووا المشركين.
وعزيز : اسم حبر كبير من أحبار اليهود الذين كانوا في الأسر البابلي ، واسمه في العبرانية (عزرا) ـ بكسر العين المهملة ـ بن (سرايا) من سبط اللاويين ، كان حافظا للتوراة. وقد تفضّل عليه (كورش) ملك فارس فأطلقه من الأسر ، وأطلق معه بني إسرائيل من الأسر الذي كان عليهم في بابل ، وأذنهم بالرجوع إلى أورشليم وبناء هيكلهم فيه ، وذلك في سنة ٤٥١ قبل المسيح ، فكان عزرا زعيم أحبار اليهود الذين رجعوا بقومهم إلى أورشليم وجدّدوا الهيكل وأعاد شريعة التوراة من حفظه ، فكان اليهود يعظّمون عزرا إلى حدّ أن ادّعى عامّتهم أنّ عزرا ابن الله ، غلوا منهم في تقديسه ، والذين وصفوه بذلك جماعة من أحبار اليهود في المدينة ، وتبعهم كثير من عامّتهم. وأحسب أنّ الداعي لهم إلى هذا القول أن لا يكونوا أخلياء من نسبة أحد عظمائهم إلى بنوة الله تعالى مثل قول النصارى في المسيح كما قال متقدموهم (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨].
قال بهذا القول فرقة من اليهود فألصق القول بهم جميعا لأنّ سكوت الباقين عليه وعدم تغييره يلزمهم الموافقة عليه والرضا به ، وقد ذكر اسم عزرا في الآية بصيغة التصغير ، فيحتمل أنّه لمّا عرّب عرب بصيغة تشبه صيغة التصغير ، فيكون كذلك اسمه عند يهود المدينة ويحتمل أنّ تصغيره جرى على لسان يهود المدينة تحبيبا فيه.
قرأ الجمهور (عُزَيْرٌ) ـ ممنوعا من التنوين للعجمة ـ وهو ما جزم به الزمخشري وقرأه عاصم والكسائي ويعقوب : بالتنوين على اعتباره عربيا بسبب التصغير الذي أدخل عليه لأنّ التصغير لا يدخل في الأعلام العجمية ، وهو ما جزم به عبد القاهر في فصل النظم من «دلائل الإعجاز» ، وتأوّل قراءة ترك التنوين بوجهين لم يرتضهما الزمخشري.
وأمّا قول النصارى ببنوة المسيح فهو معلوم مشهور. وقد مضى الكلام على المسيح عند قوله تعالى : (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) في سورة البقرة [٨٧]. وعند قوله