وفي توجيه الخطاب للذين آمنوا دون النبي إيماء إلى أن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يغزو بعد ذلك وأن أجله الشريف قد اقترب. ولعل في قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) إيماء إلى التسلية على فقد نبيهم ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأن الله معهم كقوله في الآية الأخرى (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران : ١٤٤].
والغلظة بكسر الغين : الشدة الحسية والخشونة ، وهي مستعارة هنا للمعاملة الضارة ، كقوله : (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ٧٣]. قال في «الكشاف» : وذلك يجمع الجرأة والصبر على القتال والعنف في القتل والأسر. اه.
قلت : والمقصد من ذلك إلقاء الرعب في قلوب الأعداء حتى يخشوا عاقبة التصدي لقتال المسلمين.
ومعنى أمر المسلمين بحصول ما يجده الكافرون من غلظة المؤمنين عليهم هو أمر المؤمنين بأن يكونوا أشداء في قتالهم. وهذه مبالغة في الأمر بالشدة لأنه أمر لهم بأن يجد الكفار فيهم الشدة. وذلك الوجدان لا يتحقق إلا إذا كانت الغلظة بحيث تظهر وتنال العدو فيحس بها ، كقوله تعالى لموسى : (فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها) [طه : ١٦]. وإنما وقعت هذه المبالغة لما عليه العدو من القوة ، فإن المقصود من الكفار هنا هم نصارى العرب وأنصارهم الروم ، وهم أصحاب عدد وعدد فلا يجدون الشدة من المؤمنين إلا إذا كانت شدة عظيمة.
ومن وراء صريح هذا الكلام تعريض بالتهديد للمنافقين ، إذ قد ظهر على كفرهم وهم أشد قربا من المؤمنين في المدينة. وفي هذا السياق جاء قوله تعالى : يا أيها النبي (جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ٧٣].
وجملة : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) تأييد وتشجيع ووعد بالنصر إن اتقوا بامتثال الأمر بالجهاد.
وافتتحت الجملة ب (اعْلَمُوا) للاهتمام بما يراد العلم به كما تقدم في قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) في سورة الأنفال [٤١]. والمعية هنا معية النصر والتأييد ، كقوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التوبة : ٤٠]. وهذا تأييد لهم إذ قد علموا قوة الروم.
[١٢٤ ، ١٢٥] (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا