والتوبة عن الشرك هي الإيمان ، أي فإن آمنوا إيمانا صادقا ، بأن أقاموا الصلاة الدالّة إقامتها على أنّ صاحبها لم يكن كاذبا في إيمانه ، وبأن آتوا الزكاة الدالّ إيتاؤها على أنّهم مؤمنون حقّا ، لأنّ بذل المال للمسلمين أمارة صدق النية فيما بذل فيه فإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة شرط في كفّ القتال عنهم إذا آمنوا ، وليس في هذا دلالة على أنّ الصلاة والزكاة جزء من الإيمان.
وحقيقة (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) اتركوا طريقهم الذي يمرّون به ، أي اتركوا لهم كلّ طريق أمرتم برصدهم فيه أي اتركوهم يسيرون مجتازين أو قادمين عليكم ، إذ لا بأس عليكم منهم في الحالتين ، فإنّهم صاروا إخوانكم ، كما قال في الآية الآتية (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة : ١١].
وهذا المركب مستعمل هنا تمثيلا في عدم الإضرار بهم ومتاركتهم ، يقال : خلّ سبيلي ، أي دعني وشأني ، كما قال جرير :
خلّ السبيل لمن يبني المنار به |
|
وأبرز ببرزة حيث اضطرّك القدر |
وهو مقابل للتمثيل الذي في قوله : (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ).
وجملة : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تذييل أريد به حثّ المسلمين على عدم التعرّض بالسوء للذين يسلمون من المشركين ، وعدم مؤاخذتهم لما فرط منهم ، فالمعنى اغفروا لهم ، لأنّ الله غفر لهم وهو غفور رحيم ، أو اقتدوا بفعل الله إذ غفر لهم ما فرط منهم كما تعلمون فكونوا أنتم بتلك المثابة في الإغضاء عمّا مضى.
(وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦))
عطف على جملة : (فَإِنْ تابُوا) [التوبة : ٥] لتفصيل مفهوم الشرط ، أو عطف على جملة (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ٥] لتخصيص عمومه ، أي إلّا مشركا استجارك لمصلحة للسفارة عن قومه أو لمعرفة شرائع الإسلام. وصيغ الكلام بطريقة الشرط لتأكيد حكم الجواب ، وللإشارة إلى أنّ الشأن أن تقع الرغبة في الجوار من جانب المشركين.
وجيء بحرف (إِنْ) التي شأنها أن يكون شرطها نادر الوقوع للتنبيه على أنّ هذا شرط فرضيّ ؛ لكيلا يزعم المشركون أنّهم لم يتمكّنوا من لقاء النبي صلىاللهعليهوسلم فيتّخذوه عذرا