شرف الغاية منها. وذلك بأن جعل لهم عليها ثوابا كما جعل للأعمال المقصود بها القربة ، كما ورد أن نوم الصائم عبادة.
وقد دل على هذا المعنى التذييل الذي أفاد التعليل بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ). ودل هذا التذييل على أنهم كانوا بتلك الأعمال محسنين فدخلوا في عموم قضية (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) بوجه الإيجاز.
(وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١))
عطف على جملة (لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ) ، وهو انتقال من عداد الكلف التي تصدر عنهم بلا قصد في سبيل الله إلى بعض الكلف التي لا تخلو عن استشعار من تحل بهم بأنهم لقوها في سبيل الله ، فالنفقة في سبيل الله لا تكون إلا عن قصد يتذكر به المنفق أنه يسعى إلى ما هو وسيلة لنصر الدين ، والنفقة الكبيرة أدخل في القصد ، فلذلك نبه عليها وعلى النفقة الصغيرة ليعلم بذكر الكبيرة حكم النفقة الصغيرة لأن العلة في الكبيرة أظهر وكان هذا الإطناب في عد مناقبهم في الغزو لتصوير ما بذلوه في سبيل الله.
وقطع الوادي : هو اجتيازه. وحقيقة القطع : تفريق أجزاء الجسم. وأطلق على الاجتياز على وجه الاستعارة.
والوادي : المنفرج يكون بين جبال أو إكام فيكون منفذا لسيول المياه ، ولذلك اشتق من ودى بمعنى سال. وقطع الوادي أثناء السير من شأنه أن يتذكر السائرون بسببه أنهم سائرون إلى غرض ما لأنه يجدد حالة في السير لم تكن من قبل. ومن أجل ذلك ندب الحجيج إلى تجديد التلبية عند ما يصعدون شرفا أو ينزلون واديا أو يلاقون رفاقا.
والضمير في (كُتِبَ) عائد إلى (عَمَلٌ صالِحٌ) [التوبة : ١٢٠]. ولام التعليل متعلقة ب (كتب) ، أي كتب الله لهم صالحا ليجزيهم عن أحسن أعمالهم.
ولما كان هذا جزاء عن عملهم المذكور علم أن عملهم هذا من أحسن أعمالهم.
وانتصب (أَحْسَنَ) على نزع الخافض ، أي عن أحسن ما كانوا يعملون أو بأحسن ما كانوا يعملون كقوله تعالى : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) [النور : ٣٨] وأما قوله : (لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) [القصص : ٢٥] فالظاهر أنه من غير هذا القبيل