حذر الله المؤمنين من موالاة من استحبّوا الكفر على الإيمان ، في ظاهر أمرهم أو باطنه ، إذا اطّلعوا عليهم وبدت عليهم أمارات ذلك بما ذكر من صفاتهم في هذه السورة ، وجعل التحذير من أولئك بخصوص كونهم آباء وإخوانا تنبيها على أقصى الجدارة بالولاية ليعلم بفحوى الخطاب أنّ من دونهم أولى بحكم النهي. ولم يذكر الأبناء والأزواج هنا لأنّهم تابعون فلا يقعدون بعد متبوعيهم.
وقوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أريد به الظالمون أنفسهم لأنّهم وقعوا فيما نهاهم الله ، فاستحقّوا العقاب فظلموا أنفسهم بتسبّب العذاب لها ، فالظلم إذن بمعناه اللغوي وليس مرادا به الشرك. وصيغة الحصر للمبالغة بمعنى أنّ ظلم غيرهم كلا ظلم بالنسبة لعظمة ظلمهم. ويجوز أن يكون هم (الظَّالِمُونَ) عائدا إلى ما عاد إليه ضمير النصب في قوله : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ) أي إلى الآباء والإخوان الذين استحبّوا الكفر على الإيمان ، والمعنى ومن يتولّهم فقد تولّى الظالمين فيكون الظلم على هذا مرادا به الشرك ، كما هو الكثير في إطلاقه في القرآن.
والإتيان باسم الإشارة لزيادة تمييز هؤلاء أو هؤلاء ، وللتنبيه على أنّ جدارتهم بالحكم المذكور بعد الإشارة كانت لأجل تلك الصفات أعني استحباب الكفر على الإيمان.
(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤))
ارتقاء في التحذير من العلائق التي قد تفضي إلى التقصير في القيام بواجبات الإسلام ، فلذلك جاءت زيادة تفصيل الأصناف من ذوي القرابة وأسباب المخالطة التي تكون بين المؤمنين وبين الكافرين ، ومن الأسباب التي تتعلّق بها نفوس الناس فيحول تعلّقهم بها بينهم وبين الوفاء ببعض حقوق الإسلام ، فلذلك ذكر الأبناء هنا لأنّ التعلّق بهم أقوى من التعلّق بالإخوان ، وذكر غيرهم من قريب القرابة أيضا.
وابتداء الخطاب ب (قُلْ) يشير إلى غلظه والتوبيخ به.
والمخاطب بضمائر جماعة المخاطبين : المؤمنون الذين قصروا في بعض الواجب أو المتوقّع منهم ذلك ، كما يشعر به اقتران الشرط بحرف الشّكّ وهو (إِنْ) ويفهم منه أنّ