(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩))
الظاهر أن هذه الآية خاتمة للآي السابقة وليست فاتحة غرض جديد. ففي «صحيح البخاري» من حديث كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك أنه قال : «فو الله ما أعلم أحدا ... أبلاه الله في صدق الحديث أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى يومي هذا كذبا وأنزل الله على رسوله (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى) النبي (وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) ـ إلى قوله ـ (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة : ١١٧ ـ ١١٩] اه. فهذه الآية بمنزلة التذييل للقصة فإن القصة مشتملة على ذكر قوم اتقوا الله فصدقوا في إيمانهم وجهادهم فرضياللهعنهم ، وذكر قوم كذبوا في ذلك واختلقوا المعاذير وحلفوا كذبا فغضب الله عليهم ، وقوم تخلفوا عن الجهاد وصدقوا في الاعتراف بعدم العذر فتاب الله عليهم ، فلما كان سبب فوز الفائزين في هذه الأحوال كلها هو الصدق لا جرم أمر الله المؤمنين بتقواه وبأن يكونوا في زمرة الصادقين مثل أولئك الصادقين الذين تضمنتهم القصة.
والأمر ب (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) أبلغ في التخلق بالصدق من نحو : اصدقوا. ونظيره (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [البقرة : ٤٣]. وكذلك جعله بعد (من) التبعيضية وقد تقدم ذلك في قوله تعالى : (أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) [البقرة : ٤٣] ومنه قوله : (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [البقرة : ٦٧].
(ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠))
استئناف ابتدائي لإيجاب الغزو على أهل المدينة ومن حولهم من أهل باديتها الحافّين بالمدينة إذا خرج النبي صلىاللهعليهوسلم للغزو. فهذا وجوب عيني على هؤلاء شرفهم الله بأن جعلهم جند النبي صلىاللهعليهوسلم وحرس ذاته.
والذين هم حول المدينة من الأعراب هم : مزينة ، وأشجع ، وغفار ، وجهينة ، وأسلم.