شزرا ويرونه قد جاء نكرا.
والرؤية المسندة إلى الله تعالى رؤية مجازية. وهي تعلق العلم بالواقعات سواء كانت ذوات مبصرات أم كانت أحداثا مسموعات ومعاني مدركات ، وكذلك الرؤية المسندة إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين المعنى المجزى لقوله : (عَمَلَكُمْ).
وجملة : (وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) من جملة المقول. وهو وعد ووعيد معا على حسب الأعمال ، ولذلك جاء فيه (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وقد تقدم القول في نظيره آنفا.
(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦))
هذا فريق آخر عطف خبره على خبر الفرق الآخرين. والمراد بهؤلاء من بقي من المخلّفين لم يتب الله عليه ، وكان أمرهم موقوفا إلى أن يقضي الله بما يشاء. وهؤلاء نفر ثلاثة ، هم : كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ، وثلاثتهم قد تخلفوا عن غزوة تبوك. ولم يكن تخلفهم نفاقا ولا كراهية للجهاد ولكنهم شغلوا عند خروج الجيش وهم يحسبون أنهم يلحقونه وانقضت الأيام وأيسوا من اللحاق. وسأل عنهم النبي صلىاللهعليهوسلم وهو في تبوك. فلما رجع النبي صلىاللهعليهوسلم أتوه وصدقوه ، فلم يكلمهم ، ونهى المسلمين عن كلامهم ومخالطتهم ، وأمرهم باعتزال نسائهم ، فامتثلوا وبقوا كذلك خمسين ليلة ، فهم في تلك المدة مرجون لأمر الله. وفي تلك المدة نزلت هذه الآية (ثُمَّ تابَ اللهُ عَلَيْهِمْ) [المائدة : ٧١]. وأنزل فيهم قوله : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى) النبي (وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) ـ إلى قوله ـ (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة : ١١٧ ـ ١١٩].
وعن كعب بن مالك في قصته هذه حديث طويل أغر في «صحيح البخاري». على التوبة والتنبيه إلى فتح بابها. وقد جوز المفسرون عود ضمير (أَلَمْ يَعْلَمُوا) [التوبة : ١٠٤] إلى الفريقين اللذين أشرنا إليهما.
وقوله : (هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ) [التوبة : ١٠٤] (هو) ضمير فصل مفيد لتأكيد الخبر. و (عَنْ عِبادِهِ) [التوبة : ١٠٤] متعلقة ب (يَقْبَلُ) لتضمنه معنى يتجاوز ، إشارة إلى أن قبول التوبة هو التجاوز عن المعاصي المتوب منها.