كما تقدّم في قوله تعالى آنفا (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام : ٨].
وتقدّم الكلام على اشتقاق (آيَةٌ) عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) في سورة البقرة [٣٩].
وفصل فعل (قُلْ) فلم يعطف لأنّه وقع موقع المحاورة فجاء على طريقة الفصل التي بيّنّاها في مواضع كثيرة ، أولها : قوله تعالى : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) في سورة البقرة [٣٠].
وأمر الله رسوله أن يجيبهم بما يعلم منه أنّ الله لو شاء لأنزل آية على وفق مقترحهم تقوم عليهم بها الحجّة في تصديق الرسول ، ولكنّ الله لم يرد ذلك لحكمة يعلمها ؛ فعبّر عن هذا المعنى بقوله : (إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) وهم لا ينكرون أنّ الله قادر ، ولذلك سألوا الآية ، ولكنّهم يزعمون أنّ الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يثبت صدقه إلّا إذا أيّده الله بآية على وفق مقترحهم. فقوله : (إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) مستعمل في معناه الكنائي ، وهو انتفاء أن يريد الله تعالى إجابة مقترحهم ، لأنّه لمّا أرسل رسوله بآيات بيّنات حصل المقصود من إقامة الحجّة على الذين كفروا ، فلو شاء لزادهم من الآيات لأنّه قادر.
ففي هذه الطريقة من الجواب إثبات للردّ بالدليل ، وبهذا يظهر موقع الاستدراك في قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فإنّه راجع إلى المدلول الالتزامي ، ـ أي ولكن أكثر المعاندين لا يعلمون أنّ ذلك لو شاء الله لفعله ، ويحسبون أنّ عدم الإجابة إلى مقترحهم يدلّ على عدم صدق الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وذلك من ظلمة عقولهم ، فلقد جاءهم من الآيات ما فيه مزدجر.
فيكون المعنى الذي أفاده هذا الردّ غير المعنى الذي أفاده قوله (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) [الأنعام : ٨] فإنّ ذلك نبّهوا فيه على أنّ عدم إجابتهم فيه فائدة لهم وهو استبقاؤهم ، وهذا نبّهوا فيه على سوء نظرهم في استدلالهم.
وبيان ذلك أنّ الله تعالى نصب الآيات دلائل مناسبة للغرض المستدلّ عليه كما يقول المنطقيّون : إنّ المقدّمات والنتيجة تدلّ عقلا على المطلوب المستدلّ عليه ، وإنّ النتيجة هي عين المطلوب في الواقع وإن كانت غيره في الاعتبار ؛ فلذلك نجد القرآن يذكر الحجج على عظيم قدرة الله على خلق الأمور العظيمة ، كإخراج الحي من الميت وإخراج الميت