وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤))
عطف على جملة : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) [الأنعام : ٢١] ، أو على جملة (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام : ٢١] ، فإنّ مضمون هذه الجمل المعطوفة له مناسبة بمضمون جملة (وَمَنْ أَظْلَمُ) ومضمون جملة (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ، لأنّ مضمون هذه من آثار الظلم وآثار عدم الفلاح ، ولأنّ مضمون الآية جامع للتهديد على الشرك والتكذيب ولإثبات الحشر ولإبطال الشرك.
وانتصب (يَوْمَ) على الظرفية ، وعامله محذوف ، والأظهر أنّه يقدّر ممّا تدلّ عليه المعطوفات وهي : نقول ، أو قالوا ، أو كذّبوا ، أو ضلّ ، وكلّها صالحة للدلالة على تقدير المحذوف ، وليست تلك الأفعال متعلّقا بها الظرف بل هي دلالة على المتعلّق المحذوف ، لأنّ المقصود تهويل ما يحصل لهم يوم الحشر من الفتنة والاضطراب الناشئين عن قول الله تعالى لهم : (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ) ، وتصوير تلك الحالة المهولة.
وقدّر في «الكشاف» الجواب ممّا دلّ عليه مجموع الحكاية. وتقديره : كان ما كان ، وأنّ حذفه مقصود به الإبهام الذي هو داخل في التخويف. وقد سلك في هذا ما اعتاده أئمّة البلاغة في تقدير المحذوفات من الأجوبة والمتعلّقات. والأحسن عندي أنّه إنّما يصار إلى ذلك عند عدم الدليل في الكلام على تعيين المحذوف وإلّا فقد يكون التخويف والتهويل بالتفصيل أشدّ منه بالإبهام إذا كان كلّ جزء من التفصيل حاصلا به تخويف. وقدّر بعض المفسّرين : اذكر يوم نحشرهم. ولا نكتة فيه. وهنالك تقديرات أخرى لبعضهم لا ينبغي أن يعرّج عليها.
والضمير المنصوب في (نَحْشُرُهُمْ) يعود إلى (مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) [الأنعام: ٢١] أو إلى (الظَّالِمُونَ) [الأنعام : ٢١] إذ المقصود بذلك المشركون ، فيؤذن بمشركين ومشرك بهم. وللتنبيه على أنّ الضمير عائد إلى المشركين وأصنامهم جيء بقوله : (جَمِيعاً) ليدلّ على قصد الشمول ، فإنّ شمول الضمير لجميع المشركين لا يتردّد فيه السامع حتى يحتاج إلى تأكيده باسم الإحاطة والشمول ، فتعيّن أنّ ذكر (جَمِيعاً) قصد منه التنبيه. على أنّ الضمير عائد إلى المشركين وأصنامهم ، فيكون نظير قوله : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُمْ) [يونس : ٢٨] وقوله : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [الفرقان : ١٧] وانتصب (جَمِيعاً) هنا على الحال من الضمير.