ووقع الاقتصار على الإخبار بعلمه تعالى ما يكسب الناس في النهار دون الليل رعيا للغالب ، لأنّ النهار هو وقت أكثر العمل والاكتساب ، ففي الإخبار أنّه يعلم ما يقع فيه تحذير من اكتساب ما لا يرضى الله باكتسابه بالنسبة للمؤمنين ، وتهديد للمشركين.
وجملة : (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ) معطوفة على (يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) فتكون (ثمّ) للمهلة الحقيقية ، وهو الأظهر. ولك أن تجعل (ثم) للترتيب الرتبي فتعطف على جملة (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ) ؛ أي وهو يعلم ما تكتسبون من المناهي ثم يردّكم ويمهلكم. وهذا بفريق المشركين أنسب.
و (في) للظرفية. والضمير للنهار. والبعث مستعار للإفاقة من النوم لأنّ البعث شاع في إحياء الميّت وخاصّة في اصطلاح القرآن (قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [المؤمنون : ٨٢] وحسّن هذه الاستعارة كونها مبنية على استعارة التوفّي للنوم تقريبا لكيفية البعث التي حارت فيها عقولهم ، فكلّ من الاستعارتين مرشّح للأخرى.
واللّام في (لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) لام التعليل لأنّ من الحكم والعلل التي جعل الله لها نظام اليقظة والنوم أن يكون ذلك تجزئة لعمر الحي ، وهو أجله الذي أجّلت إليه حياته يوم خلقه ، كما جاء في الحديث «يؤمر بكتب رزقه وأجله وعمله». فالأجل معدود بالأيام والليالي ، وهي زمان النوم واليقظة. والعلّة التي بمعنى الحكمة لا يلزم اتّحادها فقد يكون لفعل الله حكم عديدة. فلا إشكال في جعل اللّام للتعليل.
وقضاء الأجل انتهاؤه. ومعنى كونه مسمّى أنّه معيّن محدّد. والمرجع مصدر ميمي ، فيجوز أن يكون المراد الرجوع بالموت ، لأنّ الأرواح تصير في قبضة الله ويبطل ما كان لها من التصرّف بإرادتها. ويجوز أن يكون المراد بالرجوع الحشر يوم القيامة ، وهذا أظهر.
وقوله : (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي يحاسبكم على أعمالكم بعد الموت ، فالمهلة في (ثم) ظاهرة ، أو بعد الحشر ، فالمهلة لأنّ بين الحشر وبين ابتداء الحساب زمنا ، كما ورد في حديث الشفاعة.
(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢))