(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢))
عطف على قوله : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) [الأنعام : ٥١] لأنّه في معنى أنذرهم ولازمهم وإن كره ذلك متكبّرو المشركين. فقد أجريت عليهم هنا صلة أخرى هي أنسب بهذا الحكم من الصلة التي قبلها ، كما أنّ تلك أنسب بالحكم الذي اقترنت معه منها بهذا ، فلذلك لم يسلك طريق الإضمار ، فيقال : ولا تطردهم ، فإنّ النبيصلىاللهعليهوسلم جاء داعيا إلى الله فأولى الناس بملازمته الذين هجّيراهم دعاء الله تعالى بإخلاص فكيف يطردهم فإنّهم أولى بذلك المجلس ، كما قال تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) [آل عمران : ٦٨].
روى مسلم عن سعد بن أبي وقّاص قال : كنّا مع النّبيء ستة نفر ، فقال المشركون للنبي : أطرد هؤلاء لا يجترئون علينا. قال : وكنت أنا ، وابن مسعود ، ورجل من هذيل ، وبلال ، ورجلان ، لست أسمّيهما ، فوقع في نفس رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما شاء الله أن يقع ، فحدّث نفسه فأنزل الله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) ا ه. وسمّى الواحدي بقيّة الستّة : وهم صهيب ، وعمّار بن ياسر ، والمقداد بن الأسود ، وخبّاب بن الأرتّ. وفي قول ابن مسعود «فوقع في نفس رسول الله ما شاء الله» إجمال بيّنه ما رواه البيهقي أنّ رؤساء قريش قالوا لرسول الله : لو طردت هؤلاء الأعبد وأرواح جبابهم (جمع جبّة) جلسنا إليك وحادثناك. فقال : ما أنا بطارد المؤمنين. فقالوا : فأقمهم عنّا إذا جئنا فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت ، فقال : نعم ، طعما في إيمانهم. فأنزل الله هذه الآية. ووقع في «سنن» ابن ماجة عن خبّاب أنّ قائل ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن ، وأنّ ذلك سبب نزول الآية ، وقال ابن عطية : هو بعيد لأنّ الآية مكية. وعيينة والأقرع إنّما وفدا مع وفد بني تميم بالمدينة سنة الوفود. ا ه. قلت : ولعلّ ذلك وقع منهما فأجابهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بهذه الآية التي نزلت في نظير اقتراحهما.
وفي سنده أسباط بن نصر أو نضر ، ولم يكن بالقوي ، وفيه السديّ ضعيف. وروي مثله في بعض التفاسير عن سلمان الفارسي ، ولا يعرف سنده. وسمّى ابن إسحاق أنّهم المستضعفون من المؤمنين وهم : خبّاب ، وعمّار ، وأبو فكيهة ، يسار مولى صفوان بن