سؤال سائل يقول : فما حال الذين اتّخذوا دينهم لعبا ولهوا من حال النفوس التي تبسل بما كسبت ، فأجيب بأنّ أولئك هم الذين أبسلوا بما كسبوا ، فتكون الإشارة إلى الموصول بما له من الصلة ، والتعريف للجزءين أفاد القصر ، أي أولئك هم المبسلون لا غيرهم.
وهو قصر مبالغة لأنّ إبسالهم هو أشدّ إبسال يقع فيه الناس فجعل ما عداه كالمعدوم.
ويجوز أن تكون الإشارة إلى النفس في قوله : (أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ) باعتبار دلالة النكرة على العموم ، أي أنّ أولئك المبسلون العادمون وليّا وشفيعا وقبول فديتهم هم الذين أبسلوا بما كسبوا ، أي ذلك هو الإبسال الحقّ لا ما تعرفونه في جرائركم وحروبكم من الإبسال ، كإبسال أبناء عوف بن الأحوص المتقدّم آنفا في شعره ، فهذا كقوله تعالى : (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) [التغابن : ٩].
وجملة (لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) بيان لمعنى الإبسال أو بدل اشتمال من معنى الإبسال ، فلذلك فصلت.
والحميم : الماء الشديد الحرارة ، ومنه الحمة ـ بفتح الحاء ـ العين الجارية بالماء الحارّ الذي يستشفى به من أوجاع الأعضاء والدمل. وفي الحديث : «مثل العالم مثل الحمّة يأتيها البعداء ويتركها القرباء». وخصّ الشراب من الحميم من بين بقية أنواع العذاب المذكور من بعد للإشارة إلى أنّهم يعطشون فلا يشربون إلّا ماء يزيدهم حرارة على حرارة العطش.
والباء في (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) للسببية ، و (ما) مصدرية.
وزيد فعل (كان) ليدلّ على تمكّن الكفر منهم واستمرارهم عليه لأنّ فعل مادّة الكون تدلّ على الوجود ، فالإخبار به عن شيء مخبر عنه بغيره أو موصوف بغيره لا يفيد فائدة الأوصاف سوى أنّه أفاد الوجود في الزمن الماضي ، وذلك مستعمل في التمكّن.
(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٧١))
(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ).
استئناف ابتدائي لتأييس المشركين من ارتداد بعض المسلمين عن الدين ، فقد كان