وقوله (بِغَيْرِ عِلْمٍ) متعلّق ب (خَرَقُوا) ، أي اختلقوا اختلاقا عن جهل وضلالة ، لأنّه اختلاق لا يلتئم مع العقل والعلم فقد رموا بقولهم عن عمى وجهالة. فالمراد بالعلم هنا العلم بمعناه الصّحيح ، وهو حكم الذّهن المطابق للواقع عن ضرورة أو برهان.
والباء للملابسة ، أي ملابسا تخريقهم غير العلم فهو متلبّس بالجهل بدءا وغاية ، فهم قد اختلقوا بلا داع ولا دليل ولم يجدوا لما اختلقوه ترويجا ، وقد لزمهم به لازم الخطل وفساد القول وعدم التئامه ، فهذا موقع باء الملابسة في الآية الّذي لا يفيد مفاده غيره.
وجملة : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) مستأنفة تنزيها عن جميع ما حكي عنهم. فسبحان مصدر منصوب على أنّه بدل من فعله. وأصل الكلام أسبّح الله سبحانا. فلمّا عوّض عن فعله صار (سبحان الله) بإضافته إلى مفعوله الأصلي ، وقد تقدّم في قوله تعالى: (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) في سورة البقرة [٣٢].
ومعنى : (تَعالى) ارتفع ، وهو تفاعل من العلوّ. والتّفاعل فيه للمبالغة في الاتّصاف. والعلوّ هنا مجاز ، أي كونه لا ينقصه ما وصفوه به ، أي لا يوصف بذلك لأنّ الاتّصاف بمثل ذلك نقص وهو لا يلحقه النّقص فشبّه التّحاشي عن النّقائص بالارتفاع ، لأنّ الشّيء المرتفع لا تلتصق به الأوساخ الّتي شأنها أن تكون مطروحة على الأرض ، فكما شبّه النّقص بالسفالة شبّه الكمال بالعلوّ ، فمعنى (تعالى عن ذلك) أنّه لا يتطرّق إليه ذلك.
وقوله : (عَمَّا يَصِفُونَ) متعلّق ب (عن) للمجاوزة. وقد دخلت على اسم الموصول ، أي عن الّذي يصفونه.
والوصف : الخبر عن أحوال الشّيء وأوصافه وما يتميّز به ، فهو إخبار مبيّن مفصّل للأحوال حتّى كأنّ المخبر يصف الشّيء وينعته.
واختير في الآية فعل (يَصِفُونَ) لأنّ ما نسبوه إلى الله يرجع إلى توصيفه بالشّركاء والأبناء ، أي تباعد عن الاتّصاف به. وأمّا كونهم وصفوه به فذلك أمر واقع.
(بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١))
جملة مستأنفة وهذا شروع في الإخبار بعظيم قدرة الله تعالى ، وهي تفيد مع ذلك