وأعوامهم بحساب سير الشّمس بحلولها في البروج وبتمام دورتها فيها. والعرب يحسبون بسير القمر في منازله. وهو الذي جاء به الإسلام ، وكان العرب في الجاهليّة يجعلون الكبس لتحويل السنة إلى فصول متماثلة ، فموقع المنّة أعمّ من الاعتبار الشّرعي في حساب الأشهر والأعوام بالقمري ، وإنّما استقام ذلك للنّاس بجعل الله حركات الشّمس والقمر على نظام واحد لا يختلف ، وذلك من أعظم دلائل علم الله وقدرته ، وهذا بحسب ما يظهر للنّاس منه ولو اطّلعوا على أسرار ذلك النّظام البديع لكانت العبرة به أعظم.
والإخبار عنهما بالمصدر إسناد مجازي لأنّه في معنى اسم الفاعل ، أي حاسبين. والحاسب هم النّاس بسبب الشّمس والقمر.
والإشارة ب (ذلِكَ) إلى الجعل المأخوذ من جاعل.
والتّقدير : وضع الأشياء على قدر معلوم كقوله تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان : ٢].
والعزيز : الغالب ، القاهر ، والله هو العزيز حقّا لأنّه لا تتعاصى عن قدرته الكائنات كلّها. والعليم مبالغة في العلم ، لأنّ وضع الأشياء على النّظام البديع لا يصدر إلّا عن عالم عظيم العلم.
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٩٧))
عطف على جملة : وجاعل الليل سكنا [الأنعام : ٩٦] ، وهذا تذكير بوحدانيّة الله ، وبعظيم خلقة النّجوم ، وبالنّعمة الحاصلة من نظام سيرها إذ كانت هداية للنّاس في ظلمات البرّ والبحر يهتدون بها. وقد كان ضبط حركات النّجوم ومطالعها ومغاربها من أقدم
العلوم البشريّة ظهر بين الكلدانيّين والمصريّين القدماء. وذلك النّظام هو الّذي أرشد العلماء إلى تدوين علم الهيئة.
والمقصود الأوّل من هذا الخبر الاستدلال على وحدانيّة الله تعالى بالإلهيّة ، فلذلك صيغ بصيغة القصر بطريق تعريف المسند والمسند إليه ، لأنّ كون خلق النّجوم من الله وكونها ممّا يهتدى بها لا ينكره المخاطبون ولكنّهم لم يجروا على ما يقتضيه من إفراده بالعبادة.