والواو في (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) واو الحال لأنّ هذا معلوم للمخاطبين فلذلك جيء به في صيغة الحال.
والصّاحبة : الزّوجة لأنّها تصاحب الزّوج في معظم أحواله. وقد جعل انتفاء الزّوجة مسلّما لأنّهم لم يدعوه فلزمهم انتفاء الولد لانتفاء شرط التولّد ، وهذا مبنيّ على المحاجّة العرفيّة بناء على ما هو المعلوم في حقيقة الولادة.
وقوله : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) عطف على جملة : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) باعتبار ظاهرها وهو التّوصيف بصفات العظمة والقدرة ، فبعد أن أخبر بأنّه تعالى مبدع السّماوات والأرض أخبر أنّه خالق كلّ شيء ، أي كلّ موجود فيشمل ذوات السّماوات والأرض ، وشمل ما فيهما ، والملائكة من جملة ما تحويه السّماوات ، والجنّ من جملة ما تحويه الأرض عندهم ، فهو خالق هذين الجنسين ، والخالق لا يكون أبا كما علمت. ففي هذه الجملة إبطال والولد أيضا ، وهذا إبطال ثالث بطريق الكليّة بعد أن أبطل إبطالا جزئيا ، والمعنى أنّ الموجودات كلّها متساوية في وصف المخلوقيّة ، ولو كان له أولاد لكانوا غير مخلوقين.
وجملة : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) تذييل لإتمام تعليم المخاطبين بعض صفات الكمال الثّابتة لله تعالى ، فهي جملة معطوفة على جملة : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) باعتبار ما فيها من التّوصيف لا باعتبار الردّ. ولكون هذه الجملة الأخيرة بمنزلة التّذييل عدل فيها عن الإضمار إلى الإظهار في قوله : (بِكُلِّ شَيْءٍ) دون أن يقول «به» لأنّ التّذييلات يقصد فيها أن تكون مستقلّة الدّلالة بنفسها لأنّها تشبه الأمثال في كونها كلاما جامعا لمعان كثيرة.
(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢))
وقوع اسم الإشارة بعد إجراء الصّفات والأخبار المتقدّمة ، للتّنبيه على أنّ المشار إليه حقيق بالأخبار والأوصاف الّتي ترد بعد اسم الإشارة ، كما تقدّم عند قوله : (ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [الأنعام : ٩٥] قبل هذا ، وقوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) في سورة البقرة [٥].
والمشار إليه هو الموصوف بالصّفات المضمّنة بالأخبار المتقدّمة ، ولذلك استغنى عن اتباع اسم الإشارة ببيان أو بدل ، والمعنى : ذلكم المبدع للسّماوات والأرض والخالق