وقرأ ابن عامر ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وحفص ، على عاصم ـ برفع ـ (سَبِيلُ) على أنّ تاء المضارعة تاء المؤنّثة. لأنّ السبيل مؤنّثة في لغة عرب الحجاز ، وعلى أنّه من استبان القاصر بمعنى بان ف (سَبِيلُ) فاعل (لِتَسْتَبِينَ) ، أي لتتّضح سبيلهم لك وللمؤمنين.
(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦))
استئناف ابتدائي عاد به الكلام إلى إبطال الشرك بالتبري من عبادة أصنامهم فإنّه بعد أن أبطل إلهية الأصنام بطريق الاستدلال من قوله (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) [الأنعام : ١٤] الآية. وقوله : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) [الأنعام : ٤٠] الآية وقوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ) [الأنعام : ٤٦] الآية. جاء في هذه الآية بطريقة أخرى لإبطال عبادة الأصنام وهي أنّ الله نهى رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن عبادتها وعن اتّباع أهواء عبدتها.
وبني (نُهِيتُ) على صيغة المجهول للاستغناء عن ذكر الفاعل لظهور المراد ، أي نهاني الله. وهو يتعدّى بحرف (عن) فحذف الحرف حذفا مطّردا مع (أن).
وأجري على الأصنام اسم الموصول الموضوع للعقلاء لأنّهم عاملوهم معاملة العقلاء فأتى لهم بما يحكي اعتقادهم ، أو لأنّهم عبدوا الجنّ وبعض البشر فغلّب العقلاء من معبوداتهم.
ومعنى (تَدْعُونَ) تعبدون وتلجئون إليهم في المهمّات ، أي تدعونهم. و (مِنْ دُونِ اللهِ) حال من المفعول المحذوف ، فعامله (تَدْعُونَ). وهو حكاية لما غلب على المشركين من الاشتغال بعبادة الأصنام ودعائهم عن عبادة الله ودعائه ، حتّى كأنّهم عبدوهم دون الله ، وإن كانوا إنّما أشركوهم بالعبادة مع الله ولو في بعض الأوقات. وفيه نداء عليهم باضطراب عقيدتهم إذ أشركوا مع الله في العبادة من لا يستحقّونها مع أنّهم قائلون بأنّ الله هو مالك الأصنام وجاعلها شفعاء لكن ذلك كالعدم لأنّ كلّ عبادة توجّهوا بها إلى الأصنام قد اعتدوا بها على حقّ الله في أن يصرفوها إليه.
وجملة (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) استئناف آخر ابتدائي ، وقد عدل عن العطف إلى الاستئناف ليكون غرضا مستقلا. وأعيد الأمر بالقول زيادة في الاهتمام بالاستئناف واستقلاله ليكون هذا النفي شاملا للاتّباع في عبادة الأصنام وفي غيرها من ضلالتهم