فعلى الوجه الأول يكون قوله (ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) زيادة في التهديد والوعيد. وعلى الوجه الثاني يكون تحريضا لهم على الإيمان ليلقوا جزاءه حين يرجعون إلى الله. ويجوز أن يكون الوقف عند قوله تعالى : (يَبْعَثُهُمُ اللهُ). وتمّ التمثيل هنالك. ويكون قوله : (ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) استطرادا تخلّص به إلى قرع أسماعهم بإثبات الحشر الذي يقع بعد البعث الحقيقي ، فيكون البعث في قوله : (يَبْعَثُهُمُ اللهُ) مستعملا في حقيقته ومجازه. وقريب منه في التخلّص قوله تعالى : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) في سورة البقرة [٧٣].
(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٧))
عطف على جملة : (وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ) [الأنعام : ٣٥] الآيات ، وهذا عود إلى ما جاء في أول السورة [٤] من ذكر إعراضهم عن آيات الله بقوله (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ). ثم ذكر ما تفنّنوا به من المعاذير من قولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام : ٨] وقوله : (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها) [الأنعام : ٢٥] أي وقالوا : لو لا أنزل عليه آية ، أي على وفق مقترحهم ، وقد اقترحوا آيات مختلفة في مجادلات عديدة. ولذلك أجملها الله تعالى هنا اعتمادا على علمها عند الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، فقال : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ).
فجملة : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وقع عطفها معترضا بين جملة (وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [الأنعام : ٣٦] وجملة (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨] إلخ. وفي الإتيان بفعل النزول ما يدلّ على أنّ الآية المسئولة من قبيل ما يأتي من السماء ، مثل قولهم (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) [الأنعام : ٨] وقولهم : (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) [الإسراء : ٩٣] وشبه ذلك.
وجرّد (نُزِّلَ) من علامة التأنيث لأنّ المؤنّث الذي تأنيثه لفظي بحت يجوز تجريد فعله من علامة التأنيث ؛ فإذا وقع بين الفعل ومرفوعه فاصل اجتمع مسوّغان لتجريد الفعل من علامة التأنيث ، فإنّ الفصل بوحده مسوّغ لتجريد الفعل من العلامة. وقد صرّح في «الكشاف» بأنّ تجريد الفعل عن علامة التأنيث حينئذ حسن.
و (لَوْ لا) حرف تحضيض بمعنى (هلّا). والتحضيض هنا لقطع الخصم وتعجيزه،