(أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩))
استئناف ابتدائي للتّنويه بهم ، فهي فذلكة ثانية ، لأنّ الفذلكة الأولى راجعة إلى ما في الجمل السابقة من الهدى وهذه راجعة إلى ما فيها من المهديّين.
واسم الإشارة لزيادة الاعتناء بتمييزهم وإخطار سيرتهم في الأذهان. والمشار إليهم هم المعيّنون بأسمائهم والمذكورون إجمالا في قوله : (وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ) [الأنعام : ٨٧]. و (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) خبر عن اسم الإشارة.
والمراد بالكتاب الجنس : أي الكتب. وإيتاء الكتاب يكون بإنزال ما يكتب ، كما أنزل على الرسل وبعض الأنبياء ، وما أنزل عليهم يعتبر كتابا ، لأنّ شأنه أن يكتب سواء كتب أم لم يكتب. وقد نصّ القرآن على أنّ إبراهيم كانت له صحف بقوله : (صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [الأعلى : ١٩] وكان لعيسى كلامه الذي كتب في الإنجيل. ولداود الكلام الصادر منه تبليغا عن الله تعالى ، وكان نبيئا ولم يكن رسولا ، ولسليمان الأمثال ، والجامعة ، والنشيد المنسوب في ثلاثتها أحكام أمر الله بها. ويقال : إنّ إدريس كتب الحكمة في صحف وهو الّذي يسمّيه الإسرائيليون (أخنوخ) ويدعوه القبط (توت) ويدعوه الحكماء (هرمس). ويكون إيتاء الكتاب بإيتاء النّبيء فهم ونبيين الكتب المنزّلة قبله ، كما أوتي أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى أمثال يحيى فقد قال تعالى له (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) [مريم : ١٢].
والحكم هو الحكمة ، أي العلم بطرق الخير ودفع الشرّ. قال تعالى في شأن يحيى (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم : ١٢] ، ولم يكن يحيى حاكما أي قاضيا ، وقد يفسّر الحكم بالقضاء بالحقّ كما في قوله تعالى في شأن داود وسليمان (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) [الأنبياء : ٧٩].
وإيتاء هذه الثلاث على التّوزيع ، فمنهم من أوتي جميعها وهم الرسل منهم والأنبياء الّذين حكموا بين النّاس مثل داود وسليمان ، ومنهم من أوتي بعضها وهم الأنبياء غير الرّسل والصّالحون منهم غير الأنبياء ، وهذا باعتبار شمول اسم الإشارة لآبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم.
والفاء في قوله : (فَإِنْ يَكْفُرْ) عاطفة جملة الشّرط على جملة (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ