والجمهور على أنّ هذه الآية ليس بمنسوخة. وعن ابن عبّاس والسدّي أنّها منسوخة بقوله تعالى في سورة النساء [١٤٠] (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) بناء على رأيهم أنّ قوله : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أباح للمؤمنين القعود ولم يمنعه إلّا على النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) [الأنعام : ٦٨] كما تقدّم آنفا.
(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠))
عطف على جملة : (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) [الأنعام : ٦٨] أو على جملة : (وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٦٩]. وهذا حكم آخر غير حكم الإعراض عن الخائضين في آيات الله ولذلك عطف عليه. وأتي بموصول وصلة أخرى فليس ذلك إظهارا في مقام الإضمار.
و (ذَرِ) فعل أمر. قيل : لم يرد له ماض ولا مصدر ولا اسم فاعل ولا اسم مفعول.
فتصاريفه هذه مماتة في الاستعمال استغناء عنها بأمثالها من مادّة ترك تجنّبا للثقل واستعملوا مضارعه والأمر منه. وجعله علماء التصريف مثالا واويا لأنّهم وجدوه محذوف أحد الأصول ، ووجدوه جاريا على نحو يعد ويرث فجزموا بأنّ المحذوف منه الفاء وأنّها واو. وإنّما حذفت في نحو ذر ودع مع أنّها مفتوحة العين اتّباعا للاستعمال ، وهو حذف تخفيف لا حذف دفع ثقل ، بخلاف حذف يعد ويرث.
ومعنى : (ذر) اترك ، أي لا تخالط. وهو هنا مجاز في عدم الاهتمام بهم وقلّة الاكتراث باستهزائهم كقوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) [المدثر : ١١] ، وقوله: (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) ، وقول طرفة :
فذرني وخلقي إنّني لك شاكر |
|
ولو حلّ بيتي نائيا عند ضرغد |
أي لا تبال بهم ولا تهتمّ بضلالهم المستمرّ ولا تشغل قلبك بهم فالتذكير بالقرآن شامل لهم ، أو لا تعبأ بهم وذكّرهم به ، أي لا يصدّك سوء استجابتهم عن إعادة تذكيرهم.