وقوله : (فِي خَوْضِهِمْ) متعلّق ب (ذَرْهُمْ). وجملة (يَلْعَبُونَ) حال من ضمير الجمع. وتقدّم القول في «ذر» في قوله تعالى : (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ) [الأنعام : ٧٠].
والخوض تقدّم في قوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) [الأنعام : ٦٨]. واللّعب تقدّم في (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً) في هذه السّورة [٧٠].
(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢))
(وَهذا كِتابٌ) عطف على جملة (قُلِ اللهُ) [الأنعام : ٩١] ، أي وقل لهم الله أنزل الكتاب على موسى وهذا كتاب أنزلناه. والإشارة إلى القرآن لأنّ المحاولة في شأنه من ادّعائهم نفي نزوله من عند الله ، ومن تبكيتهم بإنزال التّوراة ، يجعل القرآن كالحاضر المشاهد ، فأتي باسم الإشارة لزيادة تمييزه تقوية لحضوره في الأذهان.
وافتتاح الكلام باسم الإشارة المفيد تمييز الكتاب أكمل تمييز ، وبناء فعل (أَنْزَلْناهُ) على خبر اسم الإشارة ، وهو (كِتابٌ) الّذي هو عينه في المعنى ، لإفادة التّقوية ، كأنّه قيل : وهذا أنزلناه.
وجعل (كِتابٌ) الّذي حقّه أن يكون مفعول أنزلنا مسندا إليه ، ونصب فعل أنزلنا لضميره ، لإفادة تحقيق إنزاله بالتّعبير عنه مرّتين ، وذلك كلّه للتّنويه بشأن هذا الكتاب.
وجملة : (أَنْزَلْناهُ) يجوز أن تكون حالا من اسم الإشارة ، أو معترضة بينه وبين خبره. و (مُبارَكٌ) خبر ثان. والمبارك اسم مفعول من باركه ، وبارك عليه ، وبارك فيه ، وبارك
له ، إذا جعل له البركة. والبركة كثرة الخير ونماؤه يقال : باركه. قال تعالى : (أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها) [النمل : ٨] ، ويقال : بارك فيه ، قال تعالى : (وَبارَكَ فِيها) [فصلت : ١٠].
ولعلّ قولهم (بارك فيه) إنّما يتعلّق به ما كانت البركة حاصلة للغير في زمنه أو مكانه ، وأمّا (باركه) فيتعلّق به ما كانت البركة صفة له ، و (بارك عليه) جعل البركة متمكّنة منه ، (وبارك له) جعل أشياء مباركة لأجله ، أي بارك فيما له.