إعلام ولا ظهور شبح أو نحوه. ففي البغت معنى المجيء عن غير إشعار. وهو منتصب على الحال ، فإنّ المصدر يجيء حالا إذا كان ظاهرا تأويله باسم الفاعل ، وهو يرجع إلى الإخبار بالمصدر لقصد المبالغة.
وقوله : (قالُوا) جواب (إذا). و (يا حَسْرَتَنا) نداء مقصود به التعجّب والتندّم ، وهو في أصل الوضع نداء للحسرة بتنزيلها منزلة شخص يسمع وينادي ليحضر كأنّه يقول : يا حسرة احضري فهذا أوان حضورك. ومنه قولهم : يا ليتني فعلت كذا ، ويا أسفي أو يا أسفا ، كما تقدّم آنفا.
وأضافوا الحسرة إلى أنفسهم ليكون تحسّرهم لأجل أنفسهم ، فهم المتحسّرون والمتحسّر عليهم ، بخلاف قول القائل : يا حسرة ، فإنّه في الغالب تحسّر لأجل غيره فهو يتحسّر لحال غيره. ولذلك تجيء معه (على) التي تدخل على الشيء المتحسّر من أجله داخلة على ما يدلّ على غير التحسّر ، كقوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) فأمّا مع (يا حسرتي ، أو يا حسرتا) فإنّما تجيء (على) داخلة على الأمر الذي كان سببا في التحسّر كما هنا (عَلى ما فَرَّطْنا فِيها). ومثل ذلك قولهم : يا ويلي ويا ويلتي ، قال تعالى : (وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا) [الكهف : ٤٩] ، فإذا أراد المتكلّم أنّ الويل لغيره قال : ويلك ، قال تعالى : (وَيْلَكَ آمِنْ) [الأحقاف : ١٧] ويقولون : ويل لك.
والحسرة : الندم الشديد ، وهو التلهّف ، وهي فعلة من حسر يحسر حسرا ، من باب فرح ، ويقال : تحسّر تحسّرا. والعرب يعاملون اسم المرّة معاملة مطلق المصدر غير ملاحظين فيه معنى المرّة ، ولكنّهم يلاحظون المصدر في ضمن فرد ، كمدلول لام الحقيقة ، ولذلك يحسن هذا الاعتبار في مقام النداء لأنّ المصدر اسم للحاصل بالفعل بخلاف اسم المرّة فهو اسم لفرد من أفراد المصدر فيقوم مقام الماهية.
و (فَرَّطْنا) أضعنا. يقال : فرّط في الأمر إذا تهاون بشيء ولم يحفظه ، أو في اكتسابه حتى فاته وأفلت منه. وهو يتعدّى إلى المفعول بنفسه ، كما دلّ عليه قوله تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٣٨]. والأكثر أن يتعدّى بحرف (في) فيقال فرّط في ماله ، إذا أضاعه.
و (ما) موصولة ما صدقها الأعمال الصالحة. ومفعول (فَرَّطْنا) محذوف يعود إلى (ما). تقديره : ما فرّطناه وهم عامّ مثل معاده ، أي ندمنا على إضاعة كلّ ما من شأنه أن ينفعنا ففرّطناه ، وضمير (فِيها) عائد إلى الساعة. و «في» تعليلية ، أي ما فوّتناه من