استأذنه في قتل ابن صيّاد : «إن يكنه فلن تسلّط عليه وإلّا يكنه فلا خير لك في قتلة». يريد من مائر الغيبة الثلاثة الأولى الدجّال لأنّ الناس كانوا يتحدّثون أنّ ابن صيّاد هو الدجّال. ومثل الضمير اسم الإشارة إذا لم يذكر في الكلام اسم يشار إليه. كما ورد في حديث أبي ذرّ أنّه قال لأخيه عند بعثة محمد صلىاللهعليهوسلم : «اذهب فاستعلم لنا علم هذا الرجل». وفي حديث سؤال القبر «فيقال له (أي للمقبور) : ما علمك بهذا الرجل» يعني أنّ هذا قولهم فيما بينهم ، أو قولهم للذي أرسلوه إلى النبي أن يسأل الله أن يبعث معه ملكا. وقد افهوه به مرة أخرى فيما حكاه الله عنهم : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فإنّ (لو ما) أخت (لو لا) في إفادة التحضيض.
وقوله : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) معناه : لو أنزلنا ملكا على الصفة التي اقترحوها يكلّمهم لقضي الأمر ، أي أمرهم ؛ فاللام عوض عن المضاف إليه بقرينة السياق ، أي لقضي أمر عذابهم الذي يتهدّدهم به.
ومعنى : (لَقُضِيَ) تمّم ، كما دلّ عليه قوله : (ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) ؛ ذلك أنّه لا تنزل ملائكة غير الذين سخّرهم الله للأمور المعتادة مثل الحفظة ، وملك الموت ، والملك الذي يأتي بالوحي ؛ إلّا ملائكة تنزل لتأييد الرسل بالنصر على من يكذّبهم ، مثل الملائكة التي نزلت لنصر المؤمنين في بدر. ولا تنزل الملائكة بين القوم المغضوب عليهم إلّا لإنزال العذاب بهم ، كما نزلت الملائكة في قوم لوط. فمشركو مكة لمّا سألوا النبي أن يريهم ملكا معه ظنّوا مقترحهم تعجيزا ، فأنبأهم الله تعالى بأنّهم اقترحوا أمرا لو أجيبوا إليه لكان سببا في مناجزة هلاكهم الذي أمهلهم إليه فيه رحمة منه.
ولعلّ حكمة ذلك أنّ الله فطر الملائكة على الصلابة والغضب للحقّ بدون هوادة ، وجعل الفطرة الملكية سريعة لتنفيذ الجزاء على وفق العمل ، كما أشار إليه قوله تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) ، فلذلك حجزهم الله عن الاتّصال بغير العباد المكرّمين الذين شابهت نفوسهم الإنسانية النفوس الملكية ، ولذلك حجبهم الله عن النزول إلى الأرض إلّا في أحوال خاصّة ، كما قال تعالى عنهم : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) ، وكما قال : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ) فلو أنّ الله أرسل ملائكة في الوسط البشري لما أمهلوا أهل الضلال والفساد ولما جزوهم جزاء العذاب ، ألا ترى أنّ الملائكة الذين أرسلهم الله لقوم لوط لمّا لقوا لوطا قالوا : (يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ). ولمّا جادلهم إبراهيم في قوم لوط بعد أن بشّروه واستأنس بهم قالوا (يا إِبْراهِيمُ