الغبش ، فإنّ فلق الليل عن الصبح أبدع في مظهر القدرة وأدخل في المنّة بالنعمة ، لأنّ الظلمة عدم والنور وجود. والإيجاد هو مظهر القدرة ولا يكون العدم ومظهرا للقدرة إلّا إذا تسلّط على موجود وهو الإعدام ، وفلق الإصباح نعمة أيضا على النّاس لينتفعوا بحياتهم واكتسابهم.
وجاعل الليل سكنا عطف على (فالِقُ الْإِصْباحِ).
وقرأه الجمهور ـ بصيغة اسم الفاعل وجرّ (اللَّيْلَ) ـ لمناسبة الوصفين في الاسميّة والإضافة. وقرأه عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف. (وَجَعَلَ) بصيغة فعل الماضي وبنصب (اللَّيْلَ).
وعبّر في جانب اللّيل بمادة الجعل لأنّ الظلمة عدم فتعلّق القدرة فيها هو تعلّقها بإزالة ما يمنع تلك الظلمة من الأنوار العارضة للأفق. والمعنى أنّ الله فلق الإصباح بقدرته نعمة منه على الموجودات ولم يجعل النّور مستمرا في الأفق فجعله عارضا مجزأ أوقاتا لتعود الظّلمة إلى الأفق رحمة منه بالموجودات ليسكنوا بعد النّصب والعمل فيستجمّوا راحتهم.
والسكن ـ بالتّحريك ـ على زنة مرادف اسم المفعول مثل الفلق على اعتباره مفعولا بالتوسّع بحذف حرف الجرّ وهو ما يسكن إليه ، أي تسكن إليه النّفس ويطمئنّ إليه القلب ، والسّكون فيه مجاز. وتسمّى الزّوجة سكنا والبيت سكنا قال تعالى : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً) [النحل : ٨٠] ، فمعنى جعل اللّيل سكنا أنّه جعل لتحصل فيه راحة النّفس من تعب العمل.
وعطف (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) على (اللَّيْلَ) بالنّصب رعيا لمحلّ اللّيل لأنّه في محلّ المفعول ل جاعل بناء على الإضافة اللّفظيّة. والعطف على المحلّ شائع في مواضع من كلام العرب مثل رفع المعطوف على اسم (إنّ) ، ونصب المعطوف على خبر ليس المجرور بالباء.
والحسبان في الأصل مصدر حسب ـ بفتح السّين ـ كالغفران ، والشّكران ، والكفران ، أي جعلها حسابا ، أي علامة حساب للنّاس يحسبون بحركاتها أوقات اللّيل والنّهار ، والشّهور ، والفصول ، والأعوام. وهذه منّة على النّاس وتذكير بمظهر العلم والقدرة ، ولذلك جعل للشّمس حسبان كما جعل للقمر ، لأنّ كثيرا من الأمم يحسبون شهورهم