الأخلاق الجليلة العزيزة من الصّبر وجهاد النّفس والجهاد في سبيل الله والمصابرة لتبليغ التّوحيد والشّريعة ومكارم الأخلاق ، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى في آخر الآيات (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ) والنبوءة [الأعراف : ٨٩] ومن بينهم أصلا الأمّتين العربيّة والإسرائيليّة.
فلمّا ذكر إسحاق ويعقوب أردف ذكرهما بذكر نبيئين من ذرّيّة إسحاق ويعقوب ، وهما أب وابنه من الأنبياء هما داود وسليمان مبتدأ بهما على بقيّة ذرّيّة إسحاق ويعقوب ، لأنّهما نالا مجدين عظيمين مجد الآخرة بالنّبوءة ومجد الدنيا بالملك. ثمّ أردف بذكر نبيئين تماثلا في أنّ الضرّ أصاب كليهما وأنّ انفراج الكرب عنهما بصبرهما. وهما أيّوب ويوسف. ثمّ بذكر رسولين أخوين هما موسى وهارون ، وقد أصاب موسى مثل ما أصاب يوسف من الكيد له لقتله ومن نجاته من ذلك وكفالته في بيت الملك ، فهؤلاء الستّة شملتهم الفاصلة الأولى المنتهية بقوله تعالى : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ).
ثمّ بذكر نبيئين أب وابنه وهما زكرياء ويحيى. فناسب أن يذكر بعدهما رسولان لا ذرّيّة لهما ، وهما عيسى وإلياس ، وهما متماثلان في أنّهما رفعا إلى السّماء. فأمّا عيسى فرفعه مذكور في القرآن ، وأمّا إلياس فرفعه مذكور في كتب الإسرائيليين ولم يذكره المفسّرون من السلف. وقد قيل : إنّ إلياس هو إدريس وعليه فرفعه مذكور في قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً) نبيئا (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) في سورة مريم [٥٦ ، ٥٧]. وابتدئ بعيسى عطفا على يحيى لأنّهما قريبان ابنا خالة ، ولأنّ عيسى رسول وإلياس نبيء غير رسول. وهؤلاء الأربعة تضمّنتهم الفاصلة الثّانية المنتهية بقوله تعالى : (كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ). وعطف اليسع لأنّه خليفة إلياس وتلميذه ، وأدمج بينه وبين إلياس إسماعيل تنهية بذكر النّبيء الّذي إليه ينتهي نسب العرب من ذرّيّة إبراهيم. وختموا بيونس ولوط لأنّ كلا منهما أرسل إلى أمّة صغيرة. وهؤلاء الأربعة تضمّنتهم الفاصلة الثّالثة المنتهية بقوله : (وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ).
وقوله : (وَمِنْ آبائِهِمْ) عطف على قوله : (كلًّا). فالتّقدير : وهدينا من آبائهم وذرّيّاتهم وإخوانهم. وجعل صاحب «الكشاف» (من) اسما بمعنى بعض ، أي وهدينا بعض آبائهم على طريقته في قوله تعالى : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ) [النساء : ٤٦]. وقدّر ابن عطيّة ومن تبعه المعطوف محذوفا تقديره : ومن آبائهم جمعا كثيرا أو مهديين كثيرين ، فتكون (من) تبعيضية متعلّقة بهدينا.