(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ).
عطف على جملة (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) [الأنعام : ٦٠] ، وتقدّم تفسير نظيره آنفا. والمناسبة هنا أنّ النوم والموت خلقهما الله فغلبا شدّة الإنسان كيفما بلغت فبيّن عقب ذكرهما أنّ الله هو القادر الغالب دون الأصنام. فالنوم قهر ، لأنّ الإنسان قد يريد أن لا ينام فيغلبه النوم ، والموت قهر وهو أظهر ، ومن الكلم الحق : سبحان من قهر العباد بالموت.
(وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ).
(وَيُرْسِلُ) عطف على (الْقاهِرُ) ، فيعتبر المسند إليه مقدّما على الخبر الفعلي ، فيدلّ على التخصيص أيضا بقرينة المقام ، أي هو الذي يرسل عليكم حفظة دون غيره. والقصر هنا حقيقي ، فلا يستدعي ردّ اعتقاد مخالف. والمقصود الإعلام بهذا الخبر الحقّ ليحذر السامعون من ارتكاب المعاصي.
ومعنى (على) في قوله (عَلَيْكُمْ) الاستعلاء المجازي ، أي إرسال قهر وإلزام ، كقوله : (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا) [الإسراء : ٥] ، لأنّ سياق الكلام خطاب للمشركين كما علمت ، ومثله قوله تعالى : (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) [الانفطار : ٩ ، ١٠].
و (عَلَيْكُمْ) متعلّق ب (يُرْسِلُ) فعلم ، أنّ المراد بحفظ الحفظة الإحصاء والضبط من قولهم : حفظت عليه فعله كذا. وهو ضدّ نسي. ومنه قوله تعالى : (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) [ق : ٤]. وليس هو من حفظ الرعاية والتعهّد مثل قوله تعالى : (حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ) [النساء : ٣٤].
فالحفظة ملائكة وظيفتهم إحصاء أعمال العباد من خير وشرّ. وورد في الحديث الصحيح : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار» الحديث.
وقوله : (إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) غاية لما دلّ عليه اسم الحفظة من معنى الإحصاء ، أي فينتهي الإحصاء بالموت ، فإذا جاء الوقت الذي ينتهي إليه أجل الحياة توفّاه الملائكة المرسلون لقبض الأرواح.
فقوله : (رُسُلُنا) في قوّة النكرة لأنّ المضاف مشتقّ فهو بمعنى اسم المفعول فلا تفيده الإضافة تعريفا ، ولذلك فالمراد من الرسل التي تتوفّى رسل غير الحفظة المرسلين على العباد ، بناء على الغالب في مجيء نكرة عقب نكرة أنّ الثانية غير الأولى. وظاهر