ورويس عن يعقوب ـ بتشديدها ـ للمبالغة في الفتح بكثرته كما أفاده قوله (أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ).
ولفظ (كلّ) هنا مستعمل في معنى الكثرة ، كما في قول النابغة :
بها كلّ ذيّال وخنساء ترعوي |
|
إلى كلّ رجّاف من الرمل فارد |
أو استعمل في معناه الحقيقي ؛ على أنّه عامّ مخصوص ، أي أبواب كل شيء يبتغونه ، وقد علم أنّ المراد بكلّ شيء جميع الأشياء من الخير خاصّة بقرينة قوله : (حَتَّى إِذا فَرِحُوا) وبقرينة مقابلة هذا بقوله : (أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) [الأعراف : ٧٩] ، فهنالك وصف مقدّر ، أي كلّ شيء صالح ، كقوله تعالى : (يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) [الكهف : ٧٩] أي صالحة.
و (حَتَّى) في قوله : (حَتَّى إِذا فَرِحُوا) ابتدائية. ومعنى الفرح هنا هو الازدهاء والبطر بالنعمة ونسيان المنعم ، كما في قوله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص : ٧٦]. قال الراغب : ولم يرخّص في الفرح إلّا في قوله تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) [يونس : ٥٨]. و (إذا) ظرف زمان للماضي.
ومراد الله تعالى من هذا هو الإمهال لهم لعلّهم يتذكّرون الله ويوحّدونه فتطهر نفوسهم ، فابتلاهم الله بالضرّ والخير ليستقصي لهم سببي التذكّر والخوف ، لأنّ من النفوس نفوسا تقودها الشدّة ونفوسا يقودها اللين.
ومعنى الأخذ هنا الإهلاك. ولذلك لم يذكر له متعلّق كما ذكر في قوله آنفا (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) للدلالة على أنّه أخذ لا هوادة فيه.
والبغتة فعلة من البغت وهو الفجأة ، أي حصول الشيء على غير ترقّب عند من حصل له وهي تستلزم الخفاء. فلذلك قوبلت بالجهرة في الآية الآتية. وهنا يصحّ أن يكون مؤوّلا باسم الفاعل منصوبا على الحال من الضمير المرفوع ، أي مباغتين لهم ، أو مؤوّلا باسم المفعول على أنّه حال من الضمير المنصوب ، أي مبغوتين ، (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ) [هود : ١٠٢].
وقوله : (فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) (إذا) فجائية. وهي ظرف مكان عند سيبويه ، وحرف عند نحاة الكوفة.
والمبلسون اليائسون من الخير المتحيّرون ، وهو من الإبلاس ، وهو الوجوم