لا يقوم النهى دليلا على التحريم ، في حكم من الأحكام بالكلية.
وظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك : ان الوجه في الكراهة هو التمسك بالأصل. وضعف الأخبار المذكورة. فلا تنهض حجة في الخروج عن مقتضى الأصل. فتحمل على الكراهة ، تفاديا من طرحها.
وفيه ما قد أوضحناه في غير موضع مما تقدم.
وتحقيق الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور :
«الأول» : الظاهر انه لا خلاف بين أصحابنا ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ في ان حد التلقي المنهي عنه أربعة فراسخ.
قال في المنتهى : حد علماؤنا التلقي بأربعة فراسخ ، فكرهوا التلقي الى ذلك الحد ، فان زاد على ذلك كان تجارة وجلبا ، ولم يكن تلقيا. وهو ظاهر ، لانه بمضيه ، ورجوعه يكون مسافرا ، ويجب عليه التقصير ، فيكون سفرا حقيقيا. الى ان قال : ولا نعرف بين علمائنا خلافا فيه. انتهى.
أقول : ويدل على التحديد بالأربعة كما ذكروه ما تقدم في رواية منهال القصاب وظاهره ان التلقي المنهي عنه ، هو ما يكون فيما دون مسافة الأربعة ، بمعنى انه إذا بلغ الأربعة خرج عن محل النهى ، فيحمل اسم الإشارة في كلام ابن ابى عمير على الرجوع الى ما دون الأربعة.
وأظهر منه في هذا المعنى ما رواه في الفقيه مرسلا ، قال : وروى ان حد التلقي روحة ، فإذا صار الى أربعة فراسخ فهو جلب. بمعنى انه متى قطع الأربعة ووصل على رأسها فهو جلب ، لأنه حينئذ يصير سفرا برجوعه كما تقدم في كتاب الصلاة ، وبذلك يظهر ما في كلام الأصحاب من المسامحة ، كما في عبارة العلامة المتقدمة ، حيث انه جعل كراهة التلقي إلى حد تمام الأربعة ، وخص التجارة والجلب بما زاد عن الأربعة ، وعلله بأنه يكون حينئذ مسافرا. وأنت خبير بأنه يكون مسافرا بالحصول على رأس الأربعة ، وان لم يزد عليها.