من اعتقاد المأمور إرادة الآمر الفعل المأمور به منه (١) ، ويظهر ذلك من صاحب «المعالم» أيضا في أواخر المبحث (٢).
وفيه : أنّه لا قبح في ذلك.
أمّا أوّلا : فلما بيّنا أنّه قلّما يحصل العلم للمأمور بكونه مكلّفا بأصل الفعل لاحتمال انتفاء شرط التمكّن ، بل المدار على الظنّ ، فلا يستلزم الاعتقاد الجازم ، ولا يضرّ الظنّ مع انكشاف فساده كما هو المشاهد في العمومات الشاملة لقاطبة المكلّفين ، مع أنّ كثيرا منهم لا يتمكّن عن الإتمام ، وإلّا لانتفى الواجب المشروط غالبا. غاية الأمر كون ذلك الاستعمال مجازيّا تأخّرت عنه قرينته ، وتأخيرها إنّما يقبح إذا كان عن وقت الحاجة ، وأمّا عن وقت الخطاب فلا قبح فيه ، كما سيجيء تحقيقه.
وأمّا ثانيا : فذلك يستلزم نفي النسخ المجمع عليه ظاهرا ، فإنّ ظاهر الحكم التأبيد (٣). وعلى القول بجوازه (٤) قبل حضور وقت العمل ، فالملازمة أظهر.
والحاصل ، أنّ الأمر حقيقة في طلب نفس الفعل ، ومجاز في طلب العزم عليه والتوطين له لقصد الامتحان وغيره ، وانكشاف عدم الشّرط قرينة على ذلك متأخّرة عن الخطاب.
__________________
(١) الضمير في منه يرجع الى الأمر.
(٢) مبحث جواز الأمر مع انتفاء الشرط.
(٣) يعني أنّ الحكم المنسوخ قبل مجيء النسخ ظاهر في التأبيد وهذا الظهور يورث للمكلّفين الظنّ بكون الحكم مؤبدا مع أنّه ليس بمؤبد ، بل مؤقت الى مجيء النسخ ، وليس هذا إلّا الإغراء بالجهل بالمعنى المذكور ، فيلزم أن لا يجوز النسخ ، مع أنّ جوازه ووقوعه إجماعيّ.
(٤) أي بجواز النسخ قبل حضور وقت العمل ، وقد نسب هذا القول الى المفيد والحاجبي والى أكثر الأشاعرة.