وبالجملة ، فلا بدّ من مرجّح يطمئنّ إليه النفس ، ثمّ الحكم على مقتضاه بالصحّة أو البطلان.
الثاني : أنّ ما عنون به القانون ، هو الكلام في شيء ذي جهتين يمكن انفكاك كلّ منهما عن الآخر.
وأمّا ما يمكن الانفكاك عن أحدهما دون الآخر ، كقوله : صلّ ولا تصلّ في الدّار المغصوبة ، فقد مرّت الإشارة الى جواز الاجتماع فيه عقلا ولغة وإن فهم العرف خلافه ، وسيجيء الكلام فيه.
وأمّا ما لا يمكن الانفكاك عن أحد الطرفين مثل من دخل دار غيره غصبا ففيه أقوال:
الأوّل : إنّه مأمور بالخروج وليس منهيّا عنه ولا معصية في الخروج.
والثاني : إنّه عاص لكن لم يتعلّق به النّهي عن الخروج.
والثالث : إنّه مأمور به ومنهيّ عنه أيضا ، ويحصل العصيان بالفعل والترك كليهما ، وهو مذهب أبي هاشم (١) وأكثر أفاضل متأخّرينا (٢) ، بل هو ظاهر الفقهاء وهو
__________________
ـ المحتمل. ألا ترى أنّ العقلاء يحترزون فيما لو أخبرهم صبيّ بوجود السّبع على طريقهم. وما دلّ على الاباحة أيضا أمور الأوّل : الكتاب منه قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً.) وقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها). والثاني : السّنة منها قوله عليهالسلام : أيّما امرئ ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه. وقوله عليهالسلام : كل شيء فيه حرام وحلال فهو لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه. الثالث : الاجماع المنقول في كلمات جماعة. الرابع : العقل لأنّه حاكم بقبح العقاب بلا بيان حكما قطعيا.
(١) راجع «مفتاح الكرامة» كتاب الصلاة ٣ / ٣٤٥.
(٢) في «الفصول» حكي عن القاضي وعزي ذلك أيضا إلى جماعة من أصحابنا.