المجلسي رحمهالله في كتاب «بحار الأنوار» (١) أيضا ، وانتصر لهذا المذهب جماعة من أفاضل المعاصرين.
والقول بعدم الجواز هو المنقول عن أكثر أصحابنا والمعتزلة ، وهذه المسألة وإن كانت من المسائل الكلاميّة (٢) ، ولكنّها لمّا كانت يتفرّع عليها كثير من المسائل الفرعية ، ذكرها الاصوليّون في كتبهم ، فنحن نقتفي آثارهم في ذلك.
والذي يقوى في نفسي ويترجّح في نظري هو جواز الاجتماع ، وقد جرى ديدنهم في هذا المقام بالتّمثيل بالصلاة في الدّار المغصوبة ، فإنّ المفروض أنّها شيء واحد شخصيّ ، ومحطّ البحث فيها هو الكون الذي هو جزء الصّلاة ، فهذا الكون هو شيء واحد ، فإنّه هو الذي يحصل به الغصب ويحصل به جزء الصلاة ، فهذا الكون شيء واحد له جهتان ، فمن حيث إنّه من أجزاء الصلاة مأمور به ، ومن حيث إنّه تصرّف في مال الغير وغصب ، منهيّ عنه.
لنا على الجواز وجوه :
الأوّل : أنّ الحكم إنّما تعلّق بالطبيعة على ما أسلفنا لك تحقيقه ، فمتعلّق الأمر طبيعة الصلاة ، ومتعلّق النّهي طبيعة الغصب ، وقد أوجدهما المكلّف بسوء اختياره في شخص واحد ، ولا يرد من ذلك قبح على الأمر ، لتغاير متعلّق المتضادّين (٣) فلا يلزم التكليف بالمتضادّين ، ولا كون الشيء الواحد محبوبا ومبغوضا من جهة واحدة.
فإن قلت : الكلّيّ لا وجود له إلّا بالفرد ، فالمراد بالتكليف بالكلّي هو إيجاد
__________________
(١) «البحار» : ٨٠ / ٢٧٨ كتاب الصلاة.
(٢) إنّ البحث في المسألة المذكورة هو في اجتماع الوجوب والحرمة وهما من قبيل المدلول لا الدّليل ، وفي الأصول يبحث عن أحوال الدّليل لا المدلول.
(٣) أي الوجوب والحرمة المتضادّين.